خلافا لما تدعيه الإدارة الأميركية، يبدو أن أعداد قواتها التي اتخذت من الأرض السورية موطئ قدم لها آخذ بالتزايد، في ضوء ما وقفنا عليه من تصريحات لمسؤولين أميركيين من كون المؤسسة العسكرية لديهم عكفت على إعداد خطط للإبقاء على 1000 جندي في هذا البلد. وجاء هذا التغير بعد أشهر ثلاثة من إصدار ترامب قرار الانسحاب التام، الأمر الذي يتناقض مع ما جرى التخطيط له في البيت الأبيض.
وقد تبين بأن الحوارات المطولة للإدارة الأميركية مع كل من تركيا، والحلفاء الأوروبيين، والمقاتلين الأكراد الذين يحظون بالدعم الأميركي قد أخفقت في التوصل إلى اتفاقية تقضي بإنشاء منطقة آمنة تقع في الشمال الشرقي من سورية كان ينظر إليها باعتبارها جزءاً من خطط ترامب لمغادرة سورية.
بالأمس القريب، صرح مسؤولون أميركيون بأن الولايات المتحدة تخطط لاستمرار التعاون مع «قسد»، وذلك على الرغم من إطلاق التهديدات التركية بعبور قواتها الحدود وتنفيذ هجوم على الأكراد. وتقوم هذه الخطط على إبقاء حوالي 1000 جندي أميركي وانتشارهم من شمال سورية إلى جنوبها.
وفي هذا السياق، أشار ميكا زينكو بأن العدد الحقيقي للمشاركين في العمليات العسكرية سيتجاوز العدد المذكور لأنه يتضمن أعدادا من المرتزقة إذ قال:»بالنظر إلى سير الأحداث، فإنه من المرجح أن نشهد ازدياداً في عدد القوات الأميركية على الأرض السورية في أواخر ولاية ترامب عما كان عليه ذلك العدد في بدايتها. ومن المؤكد بأن ثمة أعدادا من الجنود الأميركيين سيستمرون في البقاء لمزيد من السنوات هناك أيضا. ولقد جاء قرار الانسحاب متأخرا، علما بأنه كان يجب أن يكون واحدا من أسهل القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية التي يتخذها لترامب. لكن حقيقة عدم تمكنه من إصدار أحد القرارات التي أعلن عنها إبان حملته الانتخابية قد أظهرت مدى ضعفه كرئيس وأعطى خير دليل على سوء اختياره لمستشاري إدارته ومسؤوليه الذين يبذلون شتى المساعي لاستمرار الولايات المتحدة في خوض حروب غير شرعية ولا طائل منها».
إن الفشل في تنفيذ قرار ترامب بالانسحاب من سورية كان أمرا متوقعا ومتنبئا به، إذ أنه لم يفض إلا إلى الاحباط وتثبيط العزيمة، ولاسيما في ضوء ما نشهده من خلل وسوء في التنظيم الذي ترتكبه السياسة الخارجية الخاضعة لترامب الذي يمنح المسؤولين المحيطين به مجالا واسعا في صياغة سياسة البلد كل وفقا لأهوائه. ذلك لأن استلام شخص مثل جون بولتون منصب مستشار الأمن القومي قد أظهر على نحو واضح الخلل في تعيين شخصيات رئيسة ومدى تأثيرهم على القرارات الأساسية بصورة متزايدة، الأمر الذي ينظر إليه باعتباره فشلا آخر لترامب.
لكن ما تجدر الإشارة إليه حيال ما يجري في الوقت الراهن هو أنه ليس ثمة حرب غير شرعية أو غير ضرورة لم يقدم قادتنا السياسيون والعسكريون على إقحام قواتنا بها. ويبدو أن الولايات المتحدة أصابها العجز عن إنهاء التدخل أو الانخراط في نزاعات خارجية، وذلك على الرغم من دعم الأغلبية في الكونغرس لعملية وقف التدخل الأميركي، كما هو الحال في الحرب على اليمن، التي يلاحظ بها بأن كلا من البيت الأبيض والبنتاغون يحثان الخطا نحو نهاية بائسة لتلك الحرب. وعلى الرغم من عدم توفر الشرعية أو المبرر القانوني لوجود قواتنا في سورية، فإنه يبدو بأن الرئيس غير قادر على إنهاء تورطنا في تلك الحرب.
لا ريب أن استمرار الوجود العسكري الأميركي في سورية أمر غير شرعي ويتناقض مع القانون الأميركي والتشريعات الدولية. وكل يوم تستمر به القوات الأميركية بالوجود في سورية، يعد يوما آخر لاستهانة ترامب وصقور إدارته بأحكام الدستور الأميركي، الأمر الذي يعدّ أمرا سيئا بحد ذاته. بيد أن ما جعل الأمور تبدو أكثر سوءا هو خرق القيادة الأميركية للدستور والقوانين من أجل اتباع سياسة لا طائل منها ولا تعود بالنفع على المصالح الأميركية، إذ من المتعذر على قوة تعداد أفرادها 1000 جندي أن تبقى بأمان على الأرض السورية دون أن تكون هدفا للمقاومة، وبذلك يصبح جنود أميركا عرضة للخطر بغية تحقيق مهمة غير شرعية ولا ترتبط بالأمن الأميركي.
the new american comservative
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الثلاثاء 19-3-2019
رقم العدد : 16935