نحن نعيد الفكرة ذاتها مرات ومرات.. نتحدث عن تجارب بالشعوب وحضاراتها ثم نطوي الحكاية ونذهب إلى أسرتنا نحلم بيوم لا نسمع فيه قصفاً ولا طيراناً يحلق فوقنا ويلوث سماءنا.. لكن للأسف.. هو ذاته اليوم المقبل.. يتكرر كل صباح وكل مساء، فنضطر لنعيد الحكاية ذاتها.
وتكرار الحكاية لا يعلم في أحيان كثيرة.. بل يزيد العقل تسطيحاً وخمولاً ويبرمجه على زاوية نظر واحدة.. وأكثر الزوايا الثابتة في عقل السوريين الآن هي القناعة والإيمان بالغيبيات.. وأن قدرنا كسوريين – بحكم موقعنا الجغرافي وانتمائنا القومي وخيارات المقاومة وعدم الخضوع لقوى الشر في العالم. كل هذه التفاصيل تجعل منا شعباً مستهدفاً وعليه أن يؤمن بقدره ويقدم القرابين من خيرة الشباب السوري ويحمد الله ويشكره على نعمه ورحمته.
لذلك بعد كل حادثة تفجير واستهداف للعائلات والأسر الآمنة وسقوط أسقف البيوت على قاطنيها نقول (الحمد لله..هذا قدرنا)
فهل قدرنا أن نموت في سبيل أن يحيا الغرب اللعين وتعيش الصهيونية بين ظهرانينا؟
هل قدرنا أن ينعم الأميركي بنفطنا وثرواتنا ومياهنا ويحولنا إلى حقل تجارب لأبحاثه العسكرية والطبية والبيئية ونحن صامتون خانعون تحت وطأة الإيمان بأن هذا قدرنا؟
هل قدرنا أن نظل ندور في الفكرة الموجعة سنوات وسنوات وننتظر الفرج ولا يأتي الفرج وبالمقابل لا نفعل شيئاً سوى انتظار الفرج وقد استسلمنا لضعفنا وحسراتنا على الأحبة الذين فقدناهم والذين غابوا وما رجعوا ولا ندري عنهم شيئاً وكل يوم نستغفر الله ونتوب إليه عله يرأف بهذا السوري المظلوم والظالم معاً.
آمنت بالله وبمشيئته.. غير أن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني.. نحن ما هو دورنا إذن في الحياة.. وكيف سنعمر الأرض..؟ هل ننتظر مع المنتظرين أم علينا أن نسعى في العلم والمعرفة لنجد باباً للخلاص والخروج من هذه الحرب الضروس التي ولغ في دمها السوريون حتى الرمق الأخير.
أميركا لن تشبع من ثرواتنا.. والغرب لم يرتوِ منذ قرن وأكثر من دمنا.. ونحن منذ قرن وأكثر مهزومون ولا نحرك ساكناً بل تسوقنا العصبية القبلية والطائفية ويحركنا الصهاينة كورقة في مهب إرادتهم. نحن ماذا فعلنا، كشعب عربي؟ ماذا أنجزنا سوى ناطحات السحاب وبناء المقاهي والملاهي ومسلسلات الإثارة والمتعة والتفاهة؟
ماذا بنينا في الفكر وفي المعرفة، لماذا لا نحقق معرفتنا الخاصة ونبني نهجنا العلمي الخاص ولا نظل ذيلاً للغرب..هو يقول ونحن نردد.. هو يفعل ونحن نستهلك؟ هو السيد وعلينا أن نطيع.. متى نتمرد على هذا الغرب الوغد وعلى فكره.. طبعاً طالما هناك فئة من شعبنا تعيش التطرف وترتديه وتعتبره سلوكاً مقدساً وجهاداً شرعياً لن ينفع أن تقدم شيئاً سوى القتل والذبح.. وطالما هناك فئات لا يعنيها الوطن ولا تنتمي إلى تاريخه وثقافته وجغرافيته فلا يهما إلا أن تقتطع أجزاء منه لتصنعه دويلات وإمارات خاضعة وتابعه للغرب الذي يخطط لها ويأمرها ثم يبيعها في نهاية المطاف حسب مصالحه أو يخلعها كحذاء انتهت صلاحيته. بينما يدور الباقون في الفكرة ولا يخرجون منها حيث إننا عاجزون ولا نقدر أن نغير الفكرة.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 22-5-2019
الرقم: 16983