ترى مَنْ هن شهيرات العالم الآن؟.. هل هن الباحثات، والعالمات، والمتفوقات في مجالات الثقافة، والعلم، وحتى الفن أيضاً كموهوبات، ومبدعات؟
الواقع أن الأضواء تسلط في هذا الزمن على شهيرات النساء من الممثلات، وعارضات الأزياء، وملكات الجمال، والثريات، أو حتى الأميرات أو مَنْ هن من الأسر المالكة، أو من سواها ممن تلاشت لديهن أمجاد العروش لكن أمجاد الأضواء ترفض أن تتلاشى عنهن.
هذا وأمثال هؤلاء النسوة تحتل أخبارهن العناوين الرئيسية في أغلب الصحف والمجلات، من عربية وأجنبية، وتنتشر صورهن، وقصصهن حتى العاطفية منها عبر وكالات الأنباء لتصبح وكأنها من اهتمامات الإنسان العادي، أو كأنه مدفوع إلى أن يتابع هذه الأخبار.
ولكن لماذا يتابعها؟ ولصالح مَنْ هذه المتابعة.. وهل هناك مردود ما منها سوى إشباع الفضول، أو الإثارة التي تحدثها مثل هذه الأخبار وقد تكون طريفة، أو مسلية وهي تتجاوز السطح لتتغلغل في ثنايا حياة هؤلاء النساء، بل وقد تتجاوز ذلك لتصل إلى حد الفضائح أحياناً؟
الواقع أن الإعلام يهتم من جانب آخر أيضاً ولو بنسبة أقل بالبارزات من نساء العالم ممن يعملن بالسياسة كرئيسات للوزارة، أو وزيرات، أو عضوات بارزات في المحافل الدولية، وربما الحائزات على جوائز عالمية كجائزة نوبل مثلاً، أو سواها في الأدب، والفن.. ولكن بمقياس الكم، والنوع تظل الفئة الأولى هي الطاغية، وهي التي تنال النصيب الأكبر.
هذا شائق إلى حد ما، ولكن هل هو ما يجب أن يستهدف الأجيال الصغيرة التي تنبت في هذه الأجواء؟ أم أن التكريس لمثل هذا الاتجاه يجعل أحلام الفتيات المتعطشات للشهرة، والمال أيضاً، ولا سيما أننا في وقت تتفاقم فيه الضوائق الاقتصادية، لا تتجه إلا نحو المهن الفنية لقدرتها على تحقيق الأحلام بزمن قياسي؟.. وحتى في الاستفتاءات التي تُطرح لسبر التطلعات المستقبلية نلمس الدليل على أن أغلب الطموحات تسجل أرقاماً عالية في أن الشابات يردن أن يصبحن إما ممثلات، أو عارضات أزياء.. وفي أبسط الأحوال فتيات إعلان، أو دعاية.
سئلت ذات مرة أميرة (موناكو) الممثلة السابقة (غريس كيلي): هل تمانعين إذا أصبحت ابنتك ممثلة كما كنتِ؟ فأجابت: ابنتي أميرة، ولا يصح أن تصبح ممثلة.. لكنني أنا الممثلة أصبحت أميرة. فهل كانت تميز بين الطرفين: الأميرة، والممثلة؟ أم أن كليهما في نظرها تمتلك عرشها؟
هل نقول إن هذه الطريق إضافة إلى كونها جميلة، وممتعة هي أيضاً سهلة؟.. الحقيقة أنها ليست كذلك.. فمن خلال هذا الزحام الفني الذي أصبح هائلاً الآن تسقط ألوف الضحايا حتى تتاح الفرصة لإحداهن لكي تخطف البريق، وتحصد الجوائز، أو أن تمتلئ خزانتها بالمال، والمجوهرات.
إضافة إلى أن فترة الشهرة ـ نظراً للمنافسة الشديدة ـ هي أقصر من عمر الربيع، فلا تكاد تتربع إحداهن على عرش من هذه العروش حتى تزيحها الأخرى، والجماهير تبتسم لأنها باستمرار تنشد التجديد، والتغيير.
والطريق أيضاً صعبة لأن كل شيء أصبح يخضع لقانون العرض والطلب، والربح والخسارة، ولمتطلبات الشهرة من الأموال الطائلة في الدعاية، والإعلان.. و(هات يا حظ).
ربما نتساءل لماذا لا يكون الحلم لبنات العصر هو حلم العلم والتفوق التكنولوجي؟ ولماذا لا تكون أسماء العالمات، والمبدعات هي التي تلح على الذاكرة؟ أم أن زمن الاستهلاك قد أخضع كل الأشياء لقانون الرفاهية، والمتعة سهلة القطاف، حلوة المذاق؟
مَنْ من الشابات يذكرن أسماء النساء رائدات الفضاء مثلاً، أو اللائي يشاركن بتفوق في الكشوفات الأثرية، أو في حماية البيئة، أو في اقتحام البحار، أو تسلق الجبال، وفي مجالات كثيرة غير هذه؟
نكون واثقين أن النسبة ضئيلة جداً لا تتعدى المهتمات نوعياً، ومن خلال الدراسة، أو الهواية بمثل هذه الأسماء. إذن فالنساء الشهيرات في هذا الزمن هن الشهيرات بالبريق الخاطف، وبالنجومية الخلابة التي لا تلبث أن تنطفئ، وربما بالسطحية في الحياة التي تبهر ببياض الزبد لكنها لا تغوص إلى عمق البحار.. بحار الحياة.
لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 7-6-2019
الرقم: 16996