يقول بنثامان ماكريمان: إن أردوغان يسوق للإرهاب في إدلب ولا يريد القضاء عليه.. هذا ما يمكن فهمه بعد فشل المحادثات التركية الروسية الأخيرة، وانتهاء اجتماع أنقرة من دون التوصل إلى اتفاق أو تفاهمات لأن حكومة أردوغان ما زالت تدعم الإرهابيين في هذه المحافظة، ولا تريد إنهاء الحرب في سورية بل إطالة أمدها.
اجتماعات أنقرة التي فشلت دامت ثلاث ساعات في مقر وزارة الخارجية في العاصمة التركية بين مسؤولين روس وأعضاء من حكومة أرودغان الحالم بالسلطنة العثمانية ولا يريد التوصل إلى أي حل دون تحقيق حلمه.
وكان واضحاً من خلال تسريبات الاجتماع في أنقرة والذي حضره وفد روسي برئاسة مساعد وزير الخارجية الروسي حيث ضم الوفد عدداً من القادة العسكريين ومسؤولين آخرين… كان واضحاً أن أردوغان لا يريد وقف دعم المتطرفين ولا يريد هدنة ولا أي خيار آخر، بل على العكس سعى الوفد التركي لإفشال كل المحادثات مع الروس لأن عين الرئيس التركي لا تزال على إدلب وهو يتبجح بشماعة (الأكراد) وميليشيا (قسد) لمحاولة التغطية على أهدافه الخفية التي تريد السيطرة من خلالها على هذا الجزء من الجغرافية السورية..
لهذا السبب أرسل أردوغان مئات المركبات العسكرية إلى الشمال السوري وذلك بعد سيطرة الجيش السوري على أغلب ريف محافظة إدلب التي تتمسك تركيا بوجود إرهابييها فيها.
تدعم أنقرة منذ نحو 9 أعوام إرهابيي جبهة النصرة في الشمال السوري بشتى الوسائل. واليوم لم تعد كل هذه التعزيزات ولا غيرها من أردوغان ومرتزقته تثني السوريين عن تحرير كامل التراب السوري مع مواصلة الجيش السوري تقدمه، ومحاصرته نقاط المراقبة التي أقامتها أنقرة حول ما يسمى منطقة خفض التصعيد التي اتفقت عليها مع موسكو وطهران في عام 2017.
ومع إصرار الرئيس التركي على زيادة نقاط المراقبة وتشبثه بها في إدلب، فإن الطريق أصبح مسدوداً أمام التفاهم مع أنقرة، خاصة بعد التصريح الأخير لوزير الدفاع التركي بأن تركيا قادرة على (حماية نفسها) وأنها ستستمر في إدلب ولن تنسحب وستدافع عن الإرهابيين الذين تدعمهم بكل الوسائل.
هذا وتواجه تركيا اتهامات عالمية ودولية بدعم الإرهاب والإرهابيين في إدلب، فمعارك إدلب تعيد دور أردوغان المشبوه في المنطقة إلى الواجهة من جديد مع تعثر الكثير من الهدن الروسية التركية بشأن سورية بسبب سياسته والدور التركي في دعم الايديولوجيات المتطرفة في المنطقة، والدليل على ذلك فشل كل المحادثات التي عقدت خلال السنوات الماضية..
انطلقت في العاصمة الكازاخستانية محادثات آستنة بجولات عديدة بين الدولة السورية وبين من يمثل تركيا من (معارضة) برعاية روسيا وإيران، وفشلت هذه الجولات في (حلحلة) الوضع بالشمال السوري. ورغم ذلك واصلت جولات آستننة محطتها التاسعة، منتصف عام 2018، واتفق رعاة آستنة على عقد الجولة المقبلة في مدينة سوتشي الروسية، في تكريسٍ لمسار سياسي جديد ولكن تركيا أفشلت كل ذلك.
ومع نهاية اجتماعات الجولة الثانية عشرة من مسار آستنة، بدت بوادر انفراج في ملف إدلب، بعد الاتفاق على تفعيل دوريات مشتركة روسية وتركية لمراقبة التهدئة في المنطقة، قبل أن تصطدم التفاهمات مرة أخرى بوقائع الميدان.. وتفشل.
– في تشرين الأول من العام 2018، تم الإعلان في سوتشي عن ولادة اتفاق جديد بشأن سورية من عشرة بنود، وكان ذلك في أعقاب عملية واسعة شنتها أنقرة في المنطقة، قبل أن توقفها ضربات الجيش السوري الذي يصر على تحرير كامل سورية، وفي شهر كانون الثاني 2020 الماضي، اتفق الجانبان من جديد -أي الطرفان الروسي والتركي- على تثبيت بنود سوتشي، ولكن أنقرة عادت وخرقت الهدنة والاتفاق.
ومما لا شكّ فيه بأن محاولات تركيا السابقة وجنوحها للصلح والتفاهم حول إدلب كان قسريّاً، فتعرّضها لعدّة خيبات إقليميًّة ودوليًّة متتالية أوصلها إلى حائط مسدود وأجبرتها على التراجع. ومن أبرز هذه العوامل:
أولاً: فشل رهاناتها كلها في سورية، إضافة إلى ظنّ تركيا، أنه وبدعمها للمجموعات الإرهابية المسلحة، سيكون لها اليد الطولى في المنطقة، بيد أن ما حصل في الواقع وبعد الهزيمة التي مني بها مرتزقتها التي راهنت عليهم وتم دحرهم أمام ضربات الجيش السوري كانت الضربة القاضية للحلم التركي في إعادة المشروع العثماني.
ثانياً: ومع مرور الأزمة، تأثرت تركيا على الصعيد الاقتصادي من أعداد اللاجئين السّوريين داخل الأراضي التركية رغم أنها تقوم بالمبازرة عليهم، لكن وجودهم شكل احتقاناً داخلياً من قبل الأتراك كونهم باتوا يشاركونهم في سوق العمل.
ثالثاً: توتّر العلاقات التركيّة مع الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة الأميركية، وهذا التّوتّر نشأ عقب محاولة الإنقلاب ضد أردوغان، حيث إن تركيا وجّهت أصابع الإتّهام الى الولايات المتّحدة بدعمها لهذا الانقلاب بقيادة فتح الله غولن. وما زال هذا التّوتر يتصاعد مع مطالبة أنقرة واشنطن تسليم غولن إلى السّلطات التّركية واستمرار تجاهل واشنطن لها. كذلك، فإن دعم الولايات المتحدة لقسد في سورية والعراق يعدّ بمثابة الصّفعة لتركيا، حيث تعتبر الأخيرة أن ميليشيا (قسد) في شمال سورية إرهابية، كما أنّها ما زالت أي تركيا تندد بالانفصال الكردستاني عن العراق ليس حباً بوحدة أراضي العراق بل لأن الأكراد يشكّلون التّهديد الأكبر لتركيا.
The Guardian
ترجمة: غادة سلامة
التاريخ: الخميس 13-2-2020
الرقم: 17192