ثورة أون لاين- -علي الأحمد :
لطالما سعت وتسعى هذه المنظومة، الى الهيمنة والاستئثار بتفاصيل ومقدرات هذا الفن، انتاجا ونشرا وتوزيعا واعلاما، فإن موسيقانا العربية، كما هو شأن موسيقات العالم، ستعاني كثيراً، من هذه الهيمنة، وعدم القدرة على درء شرورها وأخطارها، التي نبه اليها العديد من المفكرين والعلماء حتى في الغرب نفسه.
-ولا نأت بجديد، إن قلنا، ان هذه المنظومة المؤدلجة، قد لعبت دوراً سلبياً، في تقويض بناء موسيقانا العربية، ومحاولة التعتيم على منجزها الابداعي الراسخ، بما تبثه من تيارات تغريبية، ونتاجات كئيبة، لاتملك أدنى الحدود، في مجال البعُد القيمي أو الجمالي، ناهيك عن تكريس صناعة ممتدة من الوهم والدجل الفني، تتمثل بصناعة النجوم المفبركة، وصناعة الإقبال عليها، بفعل ماتملكه وتتملكه من وسائل انتاج وإعلام ضخمة، تسيطر على حوالي ٩٣٪من شركات الانتاج والمنصات الاعلامية حول العالم، ومن هنا تزداد المخاوف والصعوبات، في خلق بيئة نظيفة تقف نداً قوياً، لهذه المنظومات التي تفعل فعلها، في مجال القطيعة المعرفية مع الماضي، كموروث ثقافي له حضور مهم في الذاكرة الجمعية العربية، كونه نتاج عبقري لذهنية موسيقية منفتحة، أثمرت نتاجات كبيرة بكل المقاييس النقدية والذوقية، لأنها ابنة ثقافة ومسار ابداعي أصيل، حافظ بأمانة على خصوصية ومكتسبات الهوية الموسيقية العربية ومفرداتها من عناصر الابداع المائزة ، من مقامات وأنغام وايقاعات وريادة في فن الإرتجال، وتقاليد عريقة وأصيلة، كانت عرضة للإمحاء والتغييب والتهميش، وهذا يفسر الى حد كبير المغزى الكبير والخفي، من صناعة هؤلاء النجوم العابرون، وهذه النتاجات الرديئة التي تشيؤ الإنسان المتلقي وتجعلة بمثابة عبداً وأسيراً، لعادات التلقي المغايرة والتذوق الفني الجمالي، الذي يغيب عن مجمل هذا النتاج المعاصر إنه وقت وعصر الفرجة، عصر الصورة الحسية التي تتراقص، على حبال الفضاء العربي العتيد صورة تشي بحالة من الإنفصام و”الشيزوفرينيا” التي أصابت العقل الموسيقي العربي بإزدواجية لاشفاء منها. فهل ياترى هذه المخلوقات الكئيبة والكائنات العجيبة بألوانها المزركشة الفاقعة، وحركاتها البهلوانية، ونمطية فنها المبستر. هي بالفعل انعكاس حقيقي للواقع العربي المعيش؟، في حين تنزوي الأصوات المبدعة، لأنها لاتبيع ولاتنتشر في سوق الأغنية المعولم وثقافته اليتيمة الوحيدة. التي تكسب عيشها وحضورها، من الدجل الفني، من هؤلاء المهرجون والأدعياء ولاعبي السيرك، الذين يملؤون هذا المشهد ضجيجاً وزعيقاً وحضوراًسمجا، لاحدود له، والأنكى من كل ذلك يطلق عليهم في الإعلام العربي الأصفر، بألقاب خلبية تخفي مدى الضحالة والأنيميا الابداعية التي أصابت هذا الفن في مقتل، حيث يتناسل هؤلاء كالفطر السام ، بفعل المال الأسود الفاسد ، من دون أن تكون هناك بالمقابل، خطط وبرامج تلحظ هذه المتغيرات التي أصابت موسيقانا المعاصرة، نتيجة حمى التغريب والتقليد واستنساخ الآخر على علاته في دلالة على نضوب معين الابداع وإنطفاء جذوة الابداع والخلق لدى هذا الموسيقي أو ذاك. إنها العولمة، ولاشيء سواها، التي تريد “أمركة” العالم، بثقافتها ولونها الموسيقي التغريبي، حيث الجميع منخرط في هذه اللعبة الجهنمية، التي تقتلع الموروث الأصيل من جذوره بعيدا عن تربته وطينه الأصيل الذي نمى فيه، هذه المنظومات الماكرة المخاذعة التي تفاجئ الجميع بعجائب هذا اللون الوحيد الذي يعني فيما يعنيه “عمى ألوان” حقيقي، في حين تغيب باقي الألوان وخصوبتها ورمزها ورمزيتها، كإبداع إنساني وحضاري ساهم في رفد الثقافات العالمية بتقاليد متنوعة وغنية، هي حكمة وروح الشعوب التي انتجتها وتصبغت بثقافتها وحضورها الفاعل والمثمر في طريق ومسرى هذه الثقافات العالمية العظيمة.

التالي