الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
يترقب العالم باهتمام نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري يوم الثلاثاء القادم ، وذلك نظراً لما يمكن أن تفرزه صناديق الاقتراع الأميركية من نتائج غير سارة لجهة الرئيس المنتخب والأجندات التي تتبناها إدارته لأربع سنوات قادمة ، وليس سراً أن معظم شعوب العالم ـ شأنها شأن الشعب الأميركي ـ تتمنى عدم التجديد للرئيس الحالي دونالد ترامب المثير للجدل والمشكلات ، ليس حباً وإعجاباً بمنافسه جو بايدن الذي لم يستطع في إطلالاته ومناظراته طمأنة العالم إلى سياسة أميركية مختلفة إزاء ما يجري من أحداث وتطورات ، وإنما أملاً في وضع حد للمصائب والكوارث التي حفلت بها السنوات الماضية من ولاية ترامب .
فمع إدارة ترامب تلاشى أي أمل بالسلام والاستقرار والهدوء خلال السنوات الماضية ، وتعقدت مشكلات البشرية أكثر فأكثر ، إذ لم يترك تهوره وقراراته الرعناء أي فرصة حقيقية للسلام ، بل قام بوأد وإهدار كل الفرص التي وفرتها قوى دولية وازنة مثل روسيا والصين ، وقد عاش العالم خلال ولايته لحظات عصيبة جداً كانت البشرية فيها قاب قوسين أو أدنى من اندلاع حروب مدمرة ، بالإضافة إلى القرارات المنفردة التي اتخذها والتي انعكست سلباً على العلاقات الدولية ، وخلقت أجواء من التوتر في أكثر من منطقة في العالم .
فحتى اللحظات الأخيرة من عمر ولايته الرئاسية الأولى ظل ترامب مواظباً على سياسته التصعيدية ، ولم يتوقف عن محاولة عقد تحالفات جديدة معادية للصين وروسيا ، فها هو وزير خارجيته مايك بومبيو على بعد أيام قليلة من الانتخابات التي قد يخسرها ، يجول في جنوب شرق آسيا لتأليب جيران الصين عليها ، في الوقت الذي مارس ترامب نفسه دوراً هداماً فيما يخص عملية السلام في الشرق الأوسط من خلال جرّ وإجبار عدد من الدول العربية إلى معسكر التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل دون أي شروط تحفظ الحد الأدنى من الاحترام والكرامة للأنظمة المطبعة ، ودون أن يتخلى هذا الكيان المجرم الغاصب عن شبر واحد من الأراضي العربية التي يحتلها أو يعيد حقاً واحداً من حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة ، في الوقت الذي ما تزال فيه القوات الأميركية تحتل جزءاً غالياً وحيوياً من الأراضي السورية وتحاصر الشعب السوري اقتصادياً بعقوبات غير شرعية وغير قانونية في محاولة لتجويعه وتركيعه ، وتتدخل بشكل استفزازي في شؤون العراق الداخلية وفي علاقاته الخارجية ، وتواصل رسم السيناريوهات الخبيثة في الخليج من أجل الضغط على إيران وإضعافها ، بينما لا نجد دولة صغيرة أو كبيرة في هذا العالم إلا وقد تأثرت بسياسات إدارة ترامب في السنوات الأخيرة ، بحيث بات ينظر إليه عالمياً كما لو أنه كابوس مخيف يريد أن يدمر ويخرب ، مستغلاً فائض القوة والهيمنة والنفوذ الذي تمتلكه بلاده .
ولعل الجميع يلاحظ كيف تحاول إدارة ترامب ذات النزعة المهيمنة والوصائية على الأمم المتحدة تحويل هذه المنظمة إلى هيئة ضعيفة هشة غير قادرة على البت بأي مشكلة أو أزمة دولية والمساهمة في حلها ، فالكثير من الأزمات والصراعات الدولية ازدادت تعقيداً بسبب التدخلات الأميركية غير الشرعية وغير القانونية ، والعلاقات الدولية باتت أكثر ميلاً نحو القطيعة والتأزم بسبب الإجراءات العقابية التي اتخذتها الولايات المتحدة بشكل منفرد ، ولاسيما بعد أن تخلت الأخيرة عن الكثير من التزاماتها المالية والقانونية والإنسانية ، وانسحبت من تحالفات اقتصادية ومعاهدات دولية ما أثار سخط الحلفاء قبل الخصوم ، باستثناء الكيان الصهيوني الذي حقق أكبر المكاسب من هذه السياسة العدوانية المنفلتة من عقالها .
ولكن يبقى للرئيس الأميركي الحالي رغم علاته ومساوئه الكثيرة “حسنة” أو ميزة وحيدة لا يمكن حتى لخصومه أن ينكروها عليه ، فقد ساهم بشكل كبير بفضح السياسة الأميركية وإظهارها على حقيقتها عارية دون تزييف أو أقنعة ، لتبدو كما هي في الواقع سياسة عدوانية جشعة لا تقيم وزناً للقانون الدولي ولا للضمير الإنساني ، كل همها جمع المال والاستيلاء على ثروات الغير بأي وسيلة ولو على حساب موت ودمار البشرية ، كما ساهم ترامب من خلال تصريحاته وهفواته وتغريداته وتصرفاته الطائشة بهز صورة الرئيس الأميركي “رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم” وجعل منه محل سخرية من يتابعونه ويهتمون بنشاطاته وأخباره ، وكان لوباء كورونا الذي فتك بالمجتمع الأميركي دور بارز في تعريف العالم على شخصية موتورة متهورة انتهازية غير متزنة .
ورغم الاستياء العالمي من سياسة ترامب والخشية من التجديد له ، ليس ثمة أمل كبير بالتخلص من الأزمات التي افتعلها والصراعات التي أججها والمشكلات التي أثارها ، ففوز بايدن ليس كافياً لتحقيق ذلك ما لم تتغير سياسة ما يسمى الدولة العميقة في أميركا ، ففي الولايات المتحدة قوى مؤثرة جداً في قرارات البيت الأبيض ، ولن تسمح بالانتقال السريع إلى حقبة مختلفة كلياً عن التي عشناها ، فترامب أو سواه بالنهاية ينفذون السياسة الحقيقية للولايات المتحدة ولكن بأسلوب يعكس جزءاً من طبيعة الرئيس المتعجرفة أو الدبلوماسية كحال ترامب وسلفه أوباما ، فهذه السياسة هي نفسها في المضمون لا في الشكل ، وإن اختلف ساكن البيت الأبيض