لعل إطفاء الحرائق هي الاستراتيجية الأكثر استعمالاً من غالبية الجهات المنوط بها مهام جساماً أكثر من غيرها، وهي بديل حقيقي لاستراتيجية الوقاية من الحرائق أصلاً، بحيث يبقى المعني ضمن دائرة الأمان (من وجهة نظره) منتظراً معضلة خدمية أو مشكلة إدارية للتفاعل معها وإيجاد الحل الترقيعي الكفيل بإظهاره بطلاً خارجاً من أساطير التاريخ.
هذه الاستراتيجية وفقاً لعلوم الإدارة، استراتيجية مريحة لمن ترهّل إبداعاً وأداءً لغياب المبادرة عنها، واقتصار عمل متقنها على انتظار مبادرات الآخرين إيجابية كانت أم سلبية للاندماج فيها، في وقت يجب عليه المبادرة ضمن قطاع حيوي ينهض بمهام جسام.. على الورق طبعاً..
أما الأهم في هذه الاستراتيجية فهو ما توفره من راحة لمن لا يرغب بالمواجهة ولو كانت المسؤولية تفرض ذلك، فحتى اليوم لم نسمع عن مكلّف ضريبي واحد تظلّم أو اشتكى أو اعترض على تكليف وصفه بالفادح مثلاً.. والفادح بلغة أهل التجارة تعني أنه أقل من عُشر الأرباح المحققة، ما يعني أن الأمور بخير والمكلّف مرتاح وأرباحه تتراكم، وسجلّه الضريبي نظيف يشي بالتزامه والموظف يدفع ضريبة الرواتب.. والكل يعيش بسعادة وحبور..
قصص كثيرة وأخبار أكثر تُحكى عن أسباب هذا الترهل في عمل الدوائر المالية التي لا هم لها سوى الحديث عن عدم توفر المال في خزائنها، في وقت كُلِّف فيه كبار موظفيها لملء الخزائن بالمال وتوفيره لوقت الحاجة، وهي فكرة طوباوية غير محققة على الإطلاق بالنسبة للخزينة، في حين تشي مستويات حياة وترف بعض موظفي المالية بنجاحهم في نقل حياتهم من مستوى متأخّر إلى آخر متقدّم.. دون أن يوضحوا من أين لهم هذا!!
قد يكون الوقت مناسباً لتحديد دور وزارة المالية برسم الخطط والاستراتيجيات، وتفعيل دور الدوائر المالية والضريبية ضمن هيئة عليا ترتبط برئاسة مجلس الوزراء أو أي صيغة أخرى تضمن ليس فقط القيام بالعمل والنهوض به، بل وضع خطة للوقاية من الحرائق آنفة الذكر.
الكنز- مازن جلال خيربك