الملحق الثقافي:د . عدنان عويّد :
التنوير لغة:
جاء التنوير من الفعل “نوَّر”، ونقول: نوَّر الغرفة، أي أنارها وأزال ظلمتها وأبان ما فيها.
التنوير مجازاً:
ينصرف هنا إلى ضرورة اعتبار أن يكون العقل الإنساني، وحرية الإرادة الإنسانية، هما المنطلق أو المصدر الرئيس لكل النشاط الفكري والعملي القائم في حياة الفرد والمجتمع.
الإرهاصات الأولية للتنوير:
ابتدأت مع بدء تاريخ وعي الإنسان لنفسه، والبحث عن سرِّ وجوده وأمنه واستقراره وبقائه، فهذا “جلجامش” في الألف الثالث قبل الميلاد، يبحث عن سرِّ الخلود، وعند فشله في الحصول على النبتة التي تمنحه هذا السر، يعود إلى حكيم المدينة “أنا تبشم” ليقول له الحكيم:
متى بنينا بيتاً دام إلى الأبد؟.
متى ختمنا ختماً دام للأبد؟.
لم يكن هناك خلود ودوام منذ الأبد!.
أما لدى اليونان، فهذا “هيراقليطس” في القرن السادس قبل الميلاد يقول: “كما أنك لا تستطيع أن تستحم في مياه النهر مرتين، فكذلك هي الحياة”.
التنوير والحرية:
في الفكر الوضعي: جاء عند “سبينوزا وهيجل وماركس” أن الحرية هي وعي الضرورة، أو الضرورة الواعية.
أي إن حرية الإنسان تقوم على “وعي وإدراك ومعرفة” القوانين الموضوعية التي تتحكم بآلية عمل الطبيعة والمجتمع، وبالتالي التسلح بها وتسخيرها لمصلحة الإنسان.
في الدين: جاءت حرية الإنسان وتأكيد شخصيته مرتبطتان بالمعرفة والتعلم، ففي القرآن أول آية نزلت هي “اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم”..
الأدوات المعرفية للتنوير:
العقل ومدركات حواسه “البصر – السمع – الشم – اللمس.. الخ”.
* التجربة الحسية للبشرية في علاقات الناس بالطبيعة والمجتمع، وتقوم على:
العلاقة الجدلية بين الإنسان ومحيطه: “من المشاهدة الحية إلى التفكير المجرد إلى الممارسة”.
يقول “محمد عبده”: “نعم، إن الإنسان إنسانٌ بفكره وعقائده، إلا أن ما ينعكس إلى مزايا عقله من مشاهد نظره ومدركات حواسه يؤثر فيه أشد التأثير، فكل شهود يحدث فكراً، وكل فكر يكون له أثر في داعية، وعن كل داعية ينشأ عمل، ثم يعود من العمل إلى الفكر، ولا ينقطع الفعل والانفعال بين العمل والأفكار ما دامت الأرواح في الأجساد، وكل قبيل هو للآخر عماد.
منهج التنوير:
يقوم على الإيمان: بالحركة والتطور والتبدل “سبحان الذي لا يحول ولا يزول” وبالعلاقة الجدلية بين الداخل والخارج، فالإنسان ابن بيئته “من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم” وبين الجزء والكل “حديث الرسول: “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص” وبين الشكل والمضمون “المكتوب يعرف من عنوانه” والقول بنسبية الحقيقة “الكمال لله”، وأخيراً على الشك القائم على رفض الأسطورة والامتثال والاستسلام للجبر المطلق “وإذ قالَ إبراهيمُ ربِّ أَرِنِي كيف تُحيي المَوتى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤمنْ، قَالَ بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي”.
جوهر وأهداف التنوير:
1- الإنسان وتنميته المستدامة أولاً، وهذه تتضمن بالضرورة: الحرية، العدالة، المساواة، التعليم، والصحة الخ. ثانياً، المواطنة وما يقوم عليها من حقوق وواجبات، وتعليم وحرية المرآة، واحترام الرأي والرأي الآخر.. ثالثاً، تنوير الناس ومحاربة من يعمل على تجهيلهم خدمة لمصالح سياسية أو طبقية محددة.
هذا ويمكن القول بشكل آخر:
1- على المستوى السياسي: تحقيق دولة القانون والمؤسسات، أو ما يسمى الدولة المدنية.
2- على المستوى الاقتصادي: تحقيق العدالة في تقاسم الثروة الوطنية.
3- على المستوى الاجتماعي: تحقيق المواطنة، وتجاوز المرجعيات التقليدية من عشيرة وقبيلة وطائفة ومذهب.
4- على المستوى الثقافي: الاشتغال على الجانب العقلاني والأنسي، الذي يبرز دور ومكانة الإنسان كخليفة على الأرض.
كاتب وباحث – سورية
d.owaid333d@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء12-1-2021
رقم العدد :1028