يجب على النقد الموضوعي التخلي عن عقدته المزمنة المبنية في أحيان كثيرة على أوهام الشهرة الفارغة والوهمية والمزيفة، والتأكيد على حقيقة جوهرية تكمن في وجود أسماء فنية جديدة أو مغمورة عندها موهبة وإبداع أكثر من نسبة كبيرة من المخضرمين والمعروفين، وتشجيع المواهب الجديدة والطاقات المهمشة، أفضل من التمسك بأسماء محاطة بهالة هي أكبر بكثير، من قدرتها على الإبداع الفعلي المتجدد، والقادر على الاستمرار والبقاء والتواصل والخلود.
إلا أن وجود بعض اللمسات التعبيرية العفوية في اللوحة، قد تؤدي إما الى إبهار جمهور النخبة من المتذوقين القلائل، وإما الى صدمة الجمهور غير المهيأ أو المؤهل لاستيعاب تعبيرات الجماليات التشكيلية الحديثة، واستشراف جمالياتها المعاصرة، وهذا مرتبط بمدى ثقافة المتلقي الفنية، وبمدى حساسيته البصرية والروحية، والقدرة على تطوير التجربة على الصعيدين التشكيلي والتقني، هي المعيار الأول والأخير، ولهذا لا أحد يستطيع أن يفرض نفسه، من خلال دليل فاخر، مهما كان غنياً بالمشاركات والجوائز والشهادات الأكاديمية والتقديرية، ولا أحد أيضاً يقتني لوحة، حتى بسعر رمزي، من خلال اطلاعه على cv فنان مطبوع في دليل معرضه، لأن الفنان هو الذي يقدم الفن، وعمله الفني هو المعيار، مع علمنا المسبق أن المعايير الجمالية انقلبت في علم الجمال الحديث رأساً على عقب، كما أن المعايير تختلف من شخص لآخر، وتخضع للأذواق الخاصة، ولتبدلات الزمان والمكان، فما كان في فنون الماضي قبيحاً، أصبح في فنون الحاضر أنموذجاً جمالياً.. وإذا كانت فنون الماضي لا تحتاج لثقافة فنية، وكان يمكن لأي شخص أن يستوعب جماليات الفنون الكلاسيكية والواقعية والأيقونية وفنون المنمنمات والرسوم الشعبية والزخرفية، فإن الفنون الحديثة تحتاج لمتابعة وثقافة ومعرفة دقيقة بمراحل ظهور المدارس الفنية الحديثة والمعاصرة.. والأمي أو الجاهل في الفن قد يكون متعلماً، وحائزاً على أعلى الشهادات في مجالات أخرى، ولكنه لا يتقبل الفنون الحديثة، ولهذا أتساءل: كيف يمكن لأستاذ متمكن من علوم الكمبيوتر والفيزياء والرياضيات واللغات وغيرها من أن تكون حساسيته الجمالية مبتورة بهذا الشكل، وأكاد أقول بأن أغلب المثقفين عندنا، باستثناء فئة قليلة ونادرة، ما زالوا يفضلون اقتناء أعمال المدارس الكلاسيكية والواقعية، وبالتالي ما زالوا يتحركون في فضاء تقليدي جداً، لجهة النظر إلى العمل الفني الحديث والمعاصر.
رؤية ـ أديب مخزوم