يقول المثل الشعبي: الكثرة تغلب الشجاعة، وهذا يعني أيضاً أنها تحمل دلالات أخرى كثيرة قد تكون مفيدة بغض النظر عن التخمة التي تبدو أكثر من اللازم، فمرحلة التفقيس التي قلنا إنها اجتاحت الإعلام السوري والعربي و ليست كلها ضرراً و ليس جميع من تم تفقيسهم انتهوا حين انتهاء فورة الاعلان والاستثمار به، فالكثرة تعني أنك امام خيارات واختيارات كثيرة: تعرف من تختار للإعلان، ومن هو للإعلام، ومن هو للعلاقات العامة، ومن الذي يستطيع أن يفك أقفالاً كانت عصية، فهو مفتاحها الذي يجب أن يكون حاضراً.
وبالتالي من هذه (التفقيسات) لابد أن عدداً جيداً قد استطاع أن يثبت وجوده ويقوى زغبه ليصبح ريشاً، يطير أو يحبو، يكرج كما الدجاج أو الحجل، مع ازدياد القدرة على تطوير المهارات وصل مرحلة الطيران، وإذا ما حسبت الأمر اقتصاياً مع فورة المطبوعات الآنية، فستجد أنها أمنت فرص عمل في الطباعة والتوزيع، وسوق الورق وغير ذلك كثير، هذا من الناحية المادية .
أما من حيث العمل في منظمة التغطية الإعلامية، فقد نشأت ظاهرة المؤسسات الإعلامية التي وجدت لها سوقاً في الخارج، ولاسيما مع الصحف الخليجية، وكاتب هذه السطور عمل مع أكثر من مؤسسة كانت تصدر المقالات والدراسات إلى صحيفتي البيان والاتحاد، وغيرهما، طبعاً مع الاحتفاظ باسمك الشخصي، ومردودك المادي الذي يتم حسب اتفاق صريح ومعلن مع الجهة المرسلة، وبغض النظر أنه كان أقرب إلى أن يكون … لكنه فرصة للعمل والمتابعة.
إضافة إلى هذه المؤسسات التي تعمر طويلاً، كانت المكاتب الإعلامية وهي أكثر انتشاراً، فكل صحيفة أو مجلة ربما من أقاصي جنوب موريتانيا كنت تجد لها مكتباً ومراسلاً من الزملاء، يحمل بطاقة باسمها، يصول ويجول، كما كان زملاء آخرون يحملون بطاقة رئيس تحرير أو مدير تحرير وجوب (البريستيج).
هذا كله كان واقعاً له بعض المحاسن والكثير من الأضرار التي لحقت بالمشهد الإعلامي السوري أولا، ولاسيما في صناعة المحتوى والمكانة التي كان ينظر من خلالها للإعلامي.
فقد كنت كما أسلفنا تجد من يحمل بطاقة باسم صحيفة ….وهو لا يجيد ألف باء الصحافة، يباهي بها من لم يدخلوا هذه السوق التجارية، يغدق العزائم هنا وهناك، يمضي قدماً من خلال علاقاته الشخصية ليصل إلى حيث يريد في مواقع القرار الإعلامي السوري عند البعض.
وناحية ثانية لابد من الإشارة إليها، ألا وهي الاتجاه (وهنا مكمن الخطر الذي نحصد نتائجه الآن وكان جزءاً من المخطط) الاتجاه من الدراسات والمقالات الفكرية والسياسية إلى ملاحقة (فاتنات الدراما، أخبار من طلقت، ومن أحبت وماذا لبست، وماذا أكلت، وأين تمضي وقتها، بمعنى أكثر وضوحاً الأخبار الفضائحية، ومن الضرورة بمكان أن تكون الصورة المغرية جواز سفر المادة، فاشتغل الكثيرون (كومبارس) في تلقط أخبار الفنانين والفنانات، وقد ساعد على هذه الموجة الطباعة الملونة الجميلة وترف الورق والحبر، وغير ذلك.
كنت تجد أخبار أي فنانة عربية وما زلت – قبل أخبار أي كاتب أو مفكر مهما كان حجمه، لقد أسس هذا اللون من الأخبار التجارية الزائفة والتجارية لما نراه الآن، وظلت موجة تفقيس الإعلام الدرامي الورقي بقوة إلى أن كان البث الفضائي الذي انتقل إلى أشكال أكثر إغراء وجاذبية، ولكن على ما تأسس في الإعلام الورقي من القدرة على الجذب والاستلاب، وقد جعل الإعلام ينتقل من مرحلة التنوير إلى الإثارة فالتسطيح، واليوم يمكننا القول بكل ثقة: هذه مدافع هوليود الإعلامية أنت ونحن حصادها، كما تم التخطيط لها في الغرب ومراكز الدراسات، والثمن ندفعه كل يوم.
معاً على الطريق – ديب علي حسن