الثورة أون لاين – سامر البوظة :
لطالما عملت الدول الغربية الاستعمارية على نشر أفكارها “الليبرالية” الهدامة وثقافاتها المسمومة داخل المجتمعات لتفكيكها وإضعافها ومن ثم السيطرة عليها, ومنطقتنا العربية كانت إحدى الأهداف الكبرى ضمن أجندات تلك الدول, حيث كان تركيز تلك المنظومة على استهداف مجتمعاتنا بكل مكوناتها ثقافياً وفكرياً, بدءاً من الفرد إلى الأسرة للوصول إلى المجتمع ككل, عبر ضرب المسلمات والثوابت والقيم المجتمعية والأسرية وتفكيك روابطها للسيطرة عليها, للوصول إلى الانهيار الاجتماعي, ومن ثم الانهيار السياسي, وهو الهدف الأساس, وذلك من خلال التسويق لأفكار وثقافات غربية هجينة بعيدة كل البعد عن قيمنا وعقيدتنا ومبادئنا, تكون وفق المقاسات الغربية وتتفق مع سياساتها وأجنداتها وأهدافها.
فإلى جانب الغزو العسكري لجأت دول العدوان إلى نوع آخر من الحروب وهو “الغزو الفكري” الذي لا يقل فتكاً وتدميراً عن الحروب التقليدية، مستغلة الظروف الدولية والتطور التقني والتكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم خاصة مع انطلاق الفضائيات التي بثت سمومها وفسادها داخل مجتمعاتنا, إضافة إلى الانتشار الواسع والمخيف لوسائل التواصل الاجتماعي, التي كان لها الدور الأكبر في نشر وتسويق تلك الأفكار المسمومة.
و”الليبرالية الحديثة” كانت إحدى أخطر أسلحة هذا الغزو, إن لم يكن أهمها, هذا السلاح الذي استهدف بالدرجة الأولى الفكر والسيطرة على العقل وتشتيته عبر إغراقه بأفكار غربية هجينة وأيديولوجيات هدامة، والتسويق لها تحت عناوين براقة مثل الديمقراطية والحرية الفردية, وحرية المعتقد وفصل الدين عن الدولة, والتحرر من القيود والضغوط التي تمارسها عادة المجتمعات التقليدية على الفرد, بالإضافة إلى تغليب مرجعية الفرد على المرجعية الجماعية والعزف على أوتار تعزيز مفهوم الأنا في المجتمع, وغيرها من العناوين والأفكار الهدامة التي تباعد بين الفرد وأسرته, وتسلخه عن وطنه, وهو ما يؤدي في النهاية إلى تفكيك المجتمع وتدميره.
وإلى حد كبير نجح الأعداء في تحقيق أهدافهم, وهذا ما تجلى بشكل واضح من خلال المظاهر الغريبة والأفكار والممارسات التي بتنا نشاهدها داخل مجتمعاتنا, والبعيدة كل البعد عن قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا التي تربينا عليها, والتي أدت إلى خلل عميق في الأخلاق والحياة الاجتماعية ، وندوب أخلاقية مؤلمة أصابت عمق المجتمع نتيجة لانتشار تلك المظاهر السلبية كانتشار الجريمة والسرقة, إلى التغيير في طريقة العيش واللباس والطعام والاقتداء بالغرب, إلى موضوع زواج المثليين وبدعة أن الطفل يولد لا ذكرا ولا أنثى وهو يختار ذلك لاحقا, وغير ذلك من الأمور, ولكن أخطر تلك المظاهر على الإطلاق هو انتشار المخدرات في مجتمعاتنا وخاصة بين فئة الشباب, على أنها غير ضارة كما سوقت وتسوق لها “الليبرالية الحديثة”, وأصبحت تباع بشكل علني وقانوني في الأسواق والمتاجر.
من هنا تكمن خطورة هذه “الايديولوجيا” التي تحولت إلى مذهب سياسي ونهج عند تلك الدول التي عملت بكل الوسائل على نشر الفوضى الأخلاقية في مجتمعاتنا من خلال تلك الأفكار الهدامة لتفكيك الروابط الاجتماعية والأسرية فيها وإضعافها, فالمستهدف الرئيسي إذا هو المجتمع الذي يقوم على مكونات أساسها الفرد والأسرة معا, لذلك من أهم الخطوات لضرب هذه البنية الاجتماعية هي ضرب الأسرة والنزول باتجاه الفرد, ومن هنا تأتي أهمية التربية وأهمية الأسرة بالدرجة الأولى ومن ثم المجتمع ودورهما في التوعية والتنبيه إلى مخاطر ” الليبرالية الحديثة”, وما تدسه من سموم وأفكار مشبوهة.
“فالليبرالية الجديدة” خطر داهم لا يقف عن حدود, وهي بخلاف شعارات الإصلاح والتغيير التي جاءت بها وتلطت خلفها, لم تجلب إلا الخراب والمزيد من التفكك والتمزيق لهذه المنطقة, لتحقيق أجندات استعمارية غربية خبيثة باتت معروفة ومكشوفة, لذلك فالأمر يحتاج إلى المزيد من الوعي والتحصين والتعاون بين جميع مكونات المجتمع, لدرء هذا الخطر الذي يتهدد تاريخنا وثقافتنا وقيمنا وثوابتنا, ويهدد حاضر أبنائنا ومستقبلهم, فالمعركة في النهاية هي معركة وجود.