ثمة تحولات مفصلية تؤسس لمرحلة جديدة على مسار الصراع مع العدو الصهيوني، ومفاعيلها تحمل أبعاداً استراتيجية من شأنها تمزيق بقايا المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة، كسياق طبيعي لسيرورة الأحداث الجارية، والانتفاضة المتصاعدة في كل أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة تحمل في مضامينها الميدانية والسياسية ملامح اقتراب اندحار الاحتلال، والتي كشفت ضربات المقاومة، والمواجهات المشتعلة داخل مدن الضفة، والأراضي المحتلة عام 48، مدى هشاشة هذا الكيان، وعجزه، بدليل هروبه نحو ارتكاب المجازر في غزة وتدمير البيوت فوق ساكنيها، وقصف المنشآت والبنى الخدمية لمداراة هزائمه العسكرية والسياسية.
واقع الصدمة والذهول من قدرة الفلسطينيين على الرد الجماعي على جرائم الاحتلال بروح مقاومة واحدة، لم تصب حكام العدو وحدهم، وإنما رعاتهم وداعميهم في أميركا وأوروبا الأكثر خوفا على مصير الكيان الغاصب، فباتت كل تحركاتهم واتصالاتهم تنصب في إطار طلب الوساطة لوقف صواريخ المقاومة، ولكنهم يغضون الطرف عن جرائم الاحتلال، ويمنحونه الضوء الأخضر لمواصلة العدوان، لأنهم في الواقع شركاء فعليون بهذا العدوان، ألم تعطل الولايات المتحدة وبريطانيا جلستين مغلقتين عقدهما مجلس الأمن بشكل افتراضي، ومنعتا المجلس من إصدار بيان يدين الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة؟، وماذا عن رفض واشنطن عقد جلسة ثالثة تكون علنية، وعلى ماذا يدل الهجوم الألماني والفرنسي على فصائل المقاومة في غزة، ألا يشير ذلك إلى أن انكسار شوكة الاحتلال يشكل ضربة قاصمة لقاعدة الغرب الإرهابية في المنطقة، والمتمثلة بالكيان الصهيوني؟.
الخطر الكبير الذي يستشعر به الكيان الصهيوني، والدول الغربية الداعمة له، بات يتمثل اليوم بحالة الوعي الفلسطيني التي تجاوزت كل الانقسامات السياسية والحزبية، والإيمان بوحدة المصير، والتركيز على نصرة قضيتهم الواحدة، والتمسك بخيار المقاومة كسبيل وحيد لاسترجاع أرضهم وحقوقهم المغتصبة، وهو ما نشاهده من خلال التمترس الفلسطيني في خندق المقاومة، وإعادة تثبيت البوصلة باتجاه توحيد جبهات المواجهة ضد عدو واحد مشترك، والعمل معا على دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كافة الأراضي المحتلة وعاصمتها القدس الشريف، وهذا بحد ذاته يشكل السلاح الأمضى في مواجهة العدو ورعاته الغربيين، وعلى أساسه ستترسخ قواعد اشتباك جديدة تمليها معادلات القوة التي تفرضها المقاومة الفلسطينية، التي تستمد روحها من الإنجازات المتراكمة التي يحققها محور المقاومة في مواجهة المشاريع الغربية الاحتلالية التي تستهدف المنطقة.
ربما ليس من قبيل المصادفة أن تتزامن الانتفاضة الفلسطينية الشاملة مع إحياء ذكرى النكبة التي تصادف اليوم، للتأكيد مجددا بأن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تدفنها جرائم الاحتلال، ومشاريع الاستيطان، أو تمحوها مسارات التطبيع المجاني، وأن الحقوق المشروعة لأصحاب الأرض الحقيقيين لا تسقط أبداً بالتقادم، فأين هي ” صفقة القرن” من الانتفاضة الشعبية الموازية لانتفاضة صواريخ المقاومة اليوم، وأين هي أوهام حكام العدو الذين راهنوا طيلة العقود السبعة الماضية من عمر اغتصاب فلسطين على أن سياسات القمع المتواصلة، والإجراءات التهويدية المتسارعة ستجبر الفلسطينيين على التعايش مع واقع الاحتلال، أليس الشعب الفلسطيني المنتفض اليوم هو من الجيل الجديد الذي يؤكد بصموده وثباته ومقاومته، هويته وانتماءه المتجذر لهذه الأرض؟، فما يحدث ليس امتداداً لنزاع على قضية عقارية في حي الشيخ جراح كما يروج له كيان العدو الصهيوني، ويسخر الغرب إعلامه لتسويق هذه الأكاذيب، والمواجهات المشتعلة في شوارع الداخل الفلسطيني المحتل ليست حرباً “أهلية” كما يصورها حكام هذا العدو، إنما هي معركة مصير ووجود بين أصحاب الأرض التاريخيين وبين مغتصبي هذه الأرض من العصابات الصهيونية التي أقامت كيانها اللقيط على أشلاء وجماجم الأطفال بعد ارتكابها مئات المجازر الوحشية بحق الفلسطينيين وهجرتهم قسرياً عن مدنهم وقراهم بدعم وتواطؤ دول الغرب الاستعماري، وقد حان الوقت الآن لنزع غبار النكبة وآثارها، وكل الفرص باتت مهيأة لدحر الاحتلال الصهيوني، واسترجاع الأرض والحقوق من مغتصبيها.
بقلم أمين التحرير ناصر منذر