مصطلحات بلا عيون

في عالم الإدارة العامة يتقصّد المسؤولون – أحياناً – اعتماد قرارات ومصطلحات فيها الكثير من الغموض، الذي يفتح الباب واسعاً إلى المزيد من التملّص وعدم الاكتراث، واستسهال المنحى التبريري الذي قد يوصلنا إلى الشيء أو عكسه، وبمقدار ما يمكن أن تكون النتيجة على المواطن قاسية ومحبطة، يتعامل معها المسؤول بشكلٍ طبيعي، لأنها كيفما أتت فهي تأتي ضمن ذلك الإطار الفاقد لعيونه والذي يلفّه الغموض.

من هذه المصطلحات مثلاً حاشية ( موافق أصولاً ) التي كانت مُتّبعة سابقاً بشكلٍ كبير، وقد شهدنا الكثير الكثير من الطلبات التي واجهت هذه العبارة، فكان المسؤول يضع هذه العبارة على طلب أحد المواطنين فيدب الفرحة في قلبه ولكن يُفاجأ بأن التنفيذ غير ممكن بسبب كلمة ( أصولاً ) ويقولون لصاحب الطلب: لو أراد أن يخدمك لكتب لك ( موافق ) لأن هذه ( أصولاً ) ستضطرنا للتقيد بالأنظمة والقوانين.

وكانت الأنظمة والقوانين – وربما لا يزال بعضها – عجيبة العجائب، فنرى قانوناً يبيحُ أمراً ما، ولكن يصدر بعده بلاغات وتعميمات تحدّ من تنفيذه ..! وحتى الآن لا نعرف كيف يمكن لبلاغ .. أو توجيه أن يُبطلَ القانون ..؟!

هذه الحالة يبدو أنها تراجعت بشكلٍ ملحوظ بعد أن تعرّضت للكثير من الانتقادات، وصدرت تعليمات بأن تكون مثل تلك الحاشية صريحة وحاسمة إما بالموافقة أو عدمها، غير أن هذه الحالة التي تمتد إلى تعطيل القوانين بتوجيهات وبلاغات لاتزال موجودة على الأرض.

ومع ذلك التراجع يبرز إلى حيز الوجود في هذه الأيام مصطلحٌ إحباطي آخر يتمثل بعبارة توازي ( أصولاً ) وصرنا نسمعها بكثافة وهي ( وفق الإمكانات المتاحة ) دون أي إفصاح عن الإمكانات، أي دون أي ضمانٍ لفعل شيء، ولكن مطلقي هذه العبارة يصير بإمكانهم أن يُغدقوا بالوعود السخيّة إلى أن تُلامس أجمل الأحلام وأكثر .. ولكن وبعد حين نستنتج أن شيئاً لم يحصل، وأن الآفاق خاوية من أي بصيص أمل، وأي عتاب للمسؤول سرعان ما يصدمنا بتلك العبارة التي يراها باباً شرعياً واسعاً للتبرير والتهرب من أي التزام حتى لو وصل الأمر إلى الفشل ،فالمسؤول يعتبره عادياً جداً، ولا مشكلة فيه لأن الإمكانات غير متاحة.

هذه المسألة تثير المزيد من المخاوف عند عامة الناس، ومعهم حق لأن حلّها ممكن جداً، فليس مطلوب من أي مسؤول أن يغدق بالوعود، ولكن يمكن لأي مسؤول أن يحدد إمكاناته المتوفرة، وقدراته كما هي، ومن ثم يضع جدولاً للقضايا التي يمكن تنفيذها فعلاً في ضوء الإمكانات والقدرات، ويضع سلماً تنفيذياً ببرنامج زمني ويتم التنفيذ لهذه القضية، ومن ثم قضية أخرى .. وهكذا واحدة بعد الأخرى.

هنا يلمس الناس أن شيئاً ما يتحقق مهما كان ضئيلاً، ونعتقد أن السيد رئيس مجلس الوزراء أثناء حضوره أعمال الدورة الرابعة لمجلس الاتحاد العام لنقابات العمال منذ أيام وتحدث عن حرص الحكومة واهتمامها بالمطالب المحقّة للطبقة العاملة في ضوء الإمكانيات المتاحة، وكانت تلك المطالب طويلة عريضة ومزمنة، وقد لا يتحقق منها شيء، وإن لم يتحقق فهذه هي الإمكانيات .. ولكن في الواقع كان يمكن تحديد خمسة مطالب .. أربعة .. أو ثلاثة .. مطلبان .. أو حتى مطلب واحد يجري الوعد القاطع بتنفيذه وينفذ فعلاً لكان أفضل من تلك الوعود كلّها ( وفق الإمكانيات المتاحة ) والتي – وعلى الأرجح – قد لا يُنفذ منها شيء.

على الملأ- علي محمود جديد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار
كيف تصبح المؤسسات الحكومية أكثر نزاهة وفعالية؟ نحو مؤسسات أكثر نزاهة ..حين تنظر الدولة للمواطن وليس المرآة! الأطعمة المكشوفة في الطرقات.. خطر يهدد صحة الأبناء ترميم المدارس .. بناء الإنسان قبل البنيان من هولندا إلى دمشق.. رحلة شغف تُعيد رسم صورة السياحة في سوريا مليارات الدولارات السعودية تستهدف التعافي السوري العنف الأسري.. جريمة خلف الأبواب المغلقة الطلاق في القانون بين المفهوم وصون حقوق الزوجة الصحة النفسية للطلاب.. طريق لحياة هادفة  المدينة الجامعية في دمشق بين ترميم الجدران وبناء الإنسان  هل سيعمّق رفع أسعار الكهرباء أزمة معيشة الفقراء؟ دورة كروية في حلب استعداداً للدوري الممتاز الجيش وسلمية يواصلان تألقهما في الكرة الطائر طاقات وطنية تشرق في ختام معرض إعادة إعمار سوريا  "عبر الأطلسي "  تطلق " استعادة الأمل" .. دعم النظام الصحي في سوريا   " التأمينات " : نعمل على تطوير منظومة الحماية الاجتماعية   هل ينقذ الشرع سوريا من الفساد؟ حفر وتأهيل عشرات آبار مياه الشرب في درعا  كيف ستؤثر التعرفة الكهربائية على مخرجات الإنتاج الزراعي؟ بعد توقف لسنوات.. مستشفى كفر بطنا ينبض بالحياة من جديد