بقلم الدكتور مازن سليم خضور:
الموروثات في العادات والتقاليد تنتقل من الأجداد إلى الآباء مازالت إلى يومنا الحالي تحمل في طياتها الكثير من الأمور الإيجابية والعادات التي تشجع على الفضيلة والشجاعة والكرم ومنها ما يحمل من السلبية مثل الثأر والتمييز الجنسي ولكن ما سنتحدث عنه اليوم في سلسلة الحرب الأخرى هو عادة إطلاق الرصاص في المناسبات سواء في الأفراح أو الأتراح في ظاهرة تدهش الجميع.
سابقاً كان الشخص يتباهى بحمل السلاح ويتفاخر به لكن عندما طبق القانون وتم تنظيم حمل السلاح وحصره بيد الجيش والقوات المسلحة والأجهزة الشرطية تضاءل حملة السلاح خاصة أن من يحمل السلاح خارج الفئة السابقة كان يخضع لقوانين وضوابط وقواعد مشددة ومن يخالفها يخضع لعقوبات مشددة جداً لكن في الحرب التي نعيشها منذ العام 2011 وفوضى السلاح الذي حصل أدى إلى تفشي هذه الظاهرة بقوة.
هذه الظاهرة ليست حصراً بالمجتمع السوري وهي ظاهرة عند أغلب المجتمعات العربية فإطلاق الرصاص يتم حتى عند الانتصار بلعبة كرة قدم أو نجاح الطلاب أو الخطاب لأحد القادة أو في حالات الوفاة وهي ظاهرة ممتدة باختلاف الجغرافيا حيث وصفت مقالة نشرت عام 2015 في مجلة “The Trace” حادثتين عن أطفال قُتلوا برصاص طائش في أثناء احتفالات الرابع من يوليو في عامي 2011 و2012 في الولايات المتحدة الأمريكية.
عندما كان يجلس نيوتن شاهد سقوط التفاحة واكتشف قانون الجاذبية وبالتالي أي جسم مهما على وارتفع بالتالي بفعل الجاذبية الأرضية هذا الجسم سيسقط ما لم يكن هناك عوامل تبقيه يستمر في الارتفاع والدفع نحو الأعلى وهذا ينطبق على الرصاص، تنطلق الرصاصة في الهواء لارتفاع يصل إلى 1.5 كيلومتر (اعتماداً على زاوية الإطلاق وقوة السلاح ونوعيته) ثم تسقط عند الوصول للحد الأقصى من القوة الدافعة و يمكن لأي عاقل أن يعلم أن المقذوفات ما لم تنفجر وتتفتت فإنها ستعود بالسقوط فعلى ماذا يستند المطلقون في إرسالهم مئات الطلقات فرحاً أو حزناً إلى السماء؟.
ذكر الجنرال في الجيش الأمريكي جوليان هاتشر في كتابه الصادر عام 1947 بعنوان “دفتر ملاحظات هاتشر” أن رصاصة من عيار 30 إذا أُطلقت من بندقية موجهة باستقامة نحو الأعلى ستصل إلى ارتفاع يقارب 2743.2 متراً خلال 18 ثانية، ثم تعود إلى الأرض في 31 ثانية أخرى، وعند اقترابها من الهبوط ستصل لسرعة شبه ثابتة تبلغ 91.4 م/ثا.
أسباب انتشار السلاح أشرنا له سابقاً في مقال سابق بعنوان انتبهوا أطفالكم لن يبقوا صغاراً game over في الحرب الأخرى بتاريخ 1 من تشرين الأول في العام 2021 وبينا أن عوامل انتشار السلاح المعروف بـ” فوضى السلاح” له عدة عوامل منها:
– الحرب الدائرة على سورية منذ العام 2011 أول هذه الأسباب.
– التهريب من دول الجوار
– انتشار التنظيمات الإرهابية بمسمياتها المختلفة
– التراخي الذي تبديه الميليشيات الإرهابية كـ (قسد) وغيرها تجاه انتشار السلاح في مناطق سيطرتها.
– خروج مناطق من سيطرة الدولة السورية لفترات زمنية بسبب خطفها من قبل الإرهابيين.
– فقدان بعض الأسلحة التي كانت متواجدة في النقاط العسكرية والأمنية خلال الحرب.
– انتشار ما يسمى تجار السلاح ممن استغل هذه الظروف.
– هاجس تجميع قطع السلاح في فترة الحرب ضمن ظاهرة ما عرف بـ”أمراء الحرب”
لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد حوادث الإطلاق العشوائي في سورية لكن هناك تقارير إخبارية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي توثق مجموعة من الحوادث القاتلة والتي أصابت مجموعة من الناس الأبرياء وهذه عينة منها لاسيما في عيد رأس السنة وبدء العام 2022 حيث بيّنت مديرية صحة اللاذقية فقط أنه تم تسجيل سبع إصابات وحالة وفاة نتيجة الرصاص الطائش في مشافي المحافظة، منها 4 إصابات في مشفى الشهيد حمزة نوفل الوطني بالمدينة، وحالة وفاة و3 إصابات وصلت إلى مشفى الشهيد إبراهيم نعامة في جبلة بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الصور التي تحدثت عن أضرار بالممتلكات المادية للأهالي بسبب الرصاص الطائش وبالرغم من أن عدد الحالات قلّ عن العام الماضي الذي كان وفاة شخص وإصابة 37 آخرين نتيجة الرصاص الطائش ومقذوفات الألعاب النارية لكن هذه الظاهرة لازالت مستمرة.
القانون السوري يمنع إطلاق الأعيرة النارية والقانون وضع عقوبات، حتى من الأسلحة المرخصة إذا كان الإطلاق لغير الغاية المرخصة لها وفي حال كان السلاح مرخص تسحب رخصة، وإذا سبب أذية فالوحدات الشرطية تتعامل مع الموضوع وكذلك حالات الاستخدام الخاطئ للسلاح والمفرقعات النارية يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة وتقديم الشخص أمام القضاء المختص.
وغالباً ما يتم إصدار تعميم يقضي باستنفار جميع الوحدات الشرطية ورفع الجهوزية لمواكبة الأعياد من أجل الحفاظ على النظام العام وبالتالي قوى الأمن الداخلي متواجدة في كل الأوقات وكل الظروف لتغطية كل القطاعات بغية تحقيق الأمن والسكينة.
إطلاق الألعاب النارية والأعيرة النارية خلال المناسبات مظهر غير حضاري وإطلاق العيارات دوماً يسبب حوادث وإصابات خطرة، لاسيما في ظل “فوضى السلاح” التي بتنا نعيشها مع بداية الحرب العدوانية على سورية بشكل واضح وغياب تلك الضوابط والشروط السابقة والمقيدة للحصول على السلاح.
لقد أصبح من الضروري أن تقوم الجهات المعنية بدراسة واسعة ” قانونية – إعلامية – اجتماعية الخ..” لتقييم هذه الظاهرة وفق قراءة أكاديمية والخروج بخطة عمل متكاملة تتضمن حتى مقترحات تعديل بعض القوانين الحالية و ومتابعة هذا الموضوع للوصول إلى حل لهذه الظاهرة.