وقبل أن يأتي اليوم العالمي في الثاني عشر من شهر حزيران/ يونيو الذي خصصته الأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية لمكافحة عمل الأطفال يكتشف العالم ازدياد أعداد هؤلاء الذين طالتهم هذه الظاهرة، وكانت الجهات المعنية قد تعهدت من قبل أنها ستقوم في غضون سنوات قليلة بالقضاء على ظاهرة العمالة لمن لا تسمح لهم أعمارهم الصغيرة بالعمل إذ تسير وفق خطط، وبرامج للحماية الاجتماعية، إلى جانب إلزامية التعليم، وغيرها من الحلول العملية للحد من استغلال الأطفال في أعمال ترهق أجسادهم الغضة وهي ما تزال في طور النمو، وتضر بصحتهـــم النفسية، وقد تنحرف بالســـلوك بمــا يخل بالقيم، والأخلاق، والخروج عن المجتمع، وربما الجريمة.
أجيال من الأطفال باتت أكثر من السابق في خطر بعد ازدياد معدلات العمالة وهي تفتح فمها كوحش يريد أن يبتلعهم بسبب الضوائق الاقتصادية التي تسود العالم اليوم، وأدت بدورها إلى تدني الدخل الأسري، وصولاً إلى حالات الفقر.. والحلول في المواجهة كثيرة، وتُسن من أجلها القوانين منها الرادعة كتلك العقابية التي تقع على مَنْ يستغل الطفل في العمل، وتجريمه، ومنها التي توفر للأسر ما يكفي من المساعدات لتجنب دفع أطفالهم إلى العمل المبكر.
وعمالة الأطفال وخاصة لمن هم دون العاشرة تقع في تناقض سافر مع حقوق الطفل الأساسية وهي ذات صفة عالمية تراعى فيها الصحة الجسدية، والنفسية بآنٍ معاً، كما الحق في التعليم، والرعاية الصحية، وعدم التمييز بين الجنسين، والحماية من الاستغلال وخاصة في مناطق الحروب والنزاعات، وحرية التعبير، وغيرها إلى آخر اللائحة.
أما المناطق الزراعية فهي الأكثر استخداماً لعمالة الأطفال لاسيما في البلدان منخفضة، أو متوسطة الدخل الفردي، فهل ما يعود به الطفل من عائد مادي يساعد به أسرته كفيل بتبرير الدفع به إلى سوق العمل بعد تجريده من حقوقه التي هي أساس حياته كإنسان أولاً، وقبل كونه طفلاً؟.
والعالم الذي يقفز قفزات هائلة في التطور على مختلف الأصعدة هل يغمض عينيه عن هذه المأســاة التي تتكرر في كثير من المجتمعـــات، ولو بنسب متفاوتة، نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تسود فيها إلى جانب عدم الأمن، والاستقرار؟ بالتأكيد لا.. فالمؤتمرات، والملتقيات تقام لمعالجة هذه المشكلة الاجتماعية التي هي على درجة كبيرة من الأهمية، لكن الأمر يعود على أرض الواقع إلى ضرورة توعية شرائح، وفئات معينة في المجتمع كي لا يرسموا لأبنائهم مصائر لا تنسجم مع إمكاناتهم الحقيقية، ومواهبهم الفطرية التي ولدوا بها.. فهل نحن قادرون على أن نفعل ذلك؟ وهل نحن قادرون فعلاً على الوصول إلى تلك الفئات المجتمعية لنتعاون معها في حماية الأطفال، وبما ينسجم مع واقع هؤلاء؟.
إنها جهود قد تكون جبارة تبذلها الحكومات من أجل الحفاظ على سلامة أجيالها الناشئة، لا تستثنى منها قنوات الإعلام بتفرعاتها، ولا الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني، ولا الوزارات المعينة بشؤون الناس الاجتماعية، ووزارات العمل، والتربية، والثقافة.. لتبني جسراً بين أبناء الوطن جميعاً.. بين الصغار والكبار.. بين الأغنياء والفقراء.. بين مَنْ يعرف الطريق ومَنْ تاه عنه.. أو باختصار بين مَنْ هم مسؤولون عن بنية المجتمع. فالإنسان كما يقول علماء الاجتماع هو كائن اجتماعي ويحتاج منذ لحظة ولادته إلى أن يبلغ أشده إلى الآخرين.. ومَنْ هم الآخرون؟.. إنهم أولاً الأسرة، وثانياً المجتمع، وثالثاً أبناء الأمة الواحدة.
وحتى الكتّاب فإنهم يحملون جزءاً من هذه المسؤولية فيما يكتبونه من قصص، وروايات لجعل الطفل فاعلاً في مجتمعه لا منفعلاً فقط، وصاحب شخصية مميزة له كطفل، لا ملحقاً بالأسرة، أو المدرسة، أو المجتمع.
فمن حق التعبير إلى الحق في عدم التمييز، وحق تنمية القدرات، ورعاية المواهب إلى باقي الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الطفل، تأتي مشاركة هؤلاء لتعريف الطفل بموقعه من أسرته، وأن له حق الرفض لكل ما يحاول أن يسلب منه طفولته.
وإذا كان الدعم المادي الذي تأتي به عمالة الأطفال يشكل عنصراً إيجابياً بالنسبة للأسر منخفضة الدخل، أو تلك الفقيرة فإن ظلام الحرمان من الحقوق الأساسية، وعلى رأسها حق التعليم يحوله إلى عنصر لا يأتي مستقبلاً إلا بالسلب، والظلام.
لكل حال وجهان.. مشرق ومظلم.. سلبي وإيجابي.. ولهذه الظاهرة وجه واحد لا يشرق أبداً.. وإذا كانت أشواك الورود تحميها فإن أشواك العمالة المبكرة تجرح ورود الطفولة، ولا تحميها من الدخول إلى عالم الكبار قبل الأوان.
* * *