الثورة – تحقيق- سهيلة علي إسماعيل:
ليست المرة الأولى التي نكتب فيها عن سوء الواقع التعليمي في مدارس حمص الحكومية .. لكن نتمنى أن تكون الأخيرة، واقع يتحمل مسؤولية ترديه ووصوله إلى ما هو عليه عدة جهات؛ وفي مقدمتها مديرية التربية باعتبارها الجهة صاحبة القرار، ثم إدارات المدارس والمدرسون في الصفوف، وكذلك أهالي الطلاب؛ فهم شجعوا أولادهم على التوجه إلى المعاهد الخاصة ومتابعة الدروس خارج نطاق المدرسة، وقد يكون قسم منهم لجأ إلى الشكوى لعدم قدرته على تحمل الأعباء المادية لدروس ودورات خاصة باتت تخضع للسمسرة وغايتها تحقيق الربح المادي .. أما مدارس الريف فالوضع فيها ليس أفضل من مدارس المدينة بالإضافة إلى أنَّ أغلبها يشكو من قلة الكادر التدريسي المختص.
وسنعرض هنا آراء جميع الجهات علّنا نلفت نظر الجهات المعنية إلى ما يحدث فربما تبادر وتعيد الثقة لأقدس مؤسسة كانت تتمتع « إلى وقت قريب» بماضٍ عريق ومشهود له.
الأهالي: المدارس لا تفي بالغرض
توجه عدد من أهالي طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية في مدينة حمص خلال الفصل الدراسي الأول الذي أوشك على الانتهاء إلى مديرية التربية يشكون من عدم إعطاء الدروس في بعض مدارس المدينة؛ وهم لا يتمكنون من تسجيل أولادهم في معاهد خاصة أو تسجيلهم عند مدرسين حوّلوا قسماً من منازلهم إلى قاعات صفية لاستقبال الطلاب وتدريسهم .. ومن خلال لقائنا بعدد من أهالي أولئك الطلاب عرفنا أن الشكوى لم تجدِ نفعاً وبقيت الأمور على ما هي عليه .. باستثناء بعض مدارس ما زالت تحافظ على ماء وجهها وتحاول جاهدة الحد من ظاهرة تغيب الطلاب عن المدارس للالتحاق بمعاهد خاصة غدت ظاهرة ملفتة للنظر.
وقد أفادت سيدة في حي ضاحية الوليد لديها ابنة في الصف الثالث الثانوي العلمي ومسجِّلة في إحدى مدارس الحي أنها تدفع ما يقارب الـ 500 ألف ليرة سورية في الشهر أجور دروس خصوصية .. وحين سألناها عن السبب قالت إن المدرسة لا تفي بالغرض، وفي معظم المواد لا يستطيع المدرِّس متابعة جميع الطلاب في الصف نتيجة كثرة الأعداد من ناحية وكثافة المنهاج من ناحية أخرى.
كما قال أب لديه ثلاثة أولاد في المرحلة الثانوية .. أحدهم في الثالث الثانوي العلمي في إحدى ثانويات حي عكرمة أنه مضطر لتسجيل ابنه لدى مدرسين يأتون إلى المنزل أو يذهب هو إلى منزل المدرس لأن غالبية الطلاب لا يداومون في المدرسة .. لذلك لا يتم إعطاء دروس في المدرسة للمواد الأساسية كاللغة العربية والرياضيات والفيزياء .. وهو لا يستطيع إهمال ابنه حتى لو دفع مبالغ مادية كبيرة لأن الشهادة الثانوية تقرير مصير وباب عبور إلى المستقبل.
المدرسون: لا ذنب لنا
حاولنا معرفة آراء بعض المدرسين بانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية وأسباب تراجع العملية التعليمية في المدارس الحكومية فكانت الإجابات متباينة .. حيث أفادت مدرِّسة لغة إنكليزية في ثانوية بحي وادي الذهب أنها تعطي الدرس وتحاول ضبط الطلاب داخل الصف كي لا يذهبوا إلى المعاهد الخاصة لكن دون جدوى، وأضافت بأنها طلبت «ذات مرة» من أحد الطلاب أن ينتبه إلى الدرس لأنه كان يضع رأسه على المقعد فكان ردّه :» أعرفه فقد أخذته في المعهد ..!!».
وفي الثانوية ذاتها دخل مدرس الرياضيات فلم يجد أحداً في الصف فما كان منه إلا كتابة الدرس المقرر على السبورة والخروج لإبلاغ مدير المدرسة.
وفي المقلب الآخر تُخصص إحدى المدرِّسات في ثانوية للبنات في حي وادي الذهب الربع ساعة الأخيرة من الدرس للإعلان المباشر أمام الطالبات عن قرب منزلها من المدرسة وعن رغبتها في استقبال منْ ترغب منهنَّ للتسجيل لديها بهدف متابعتها وأخذ دروس للتقوية .
لكن أغرب حالة عرفناها وتدل على استهتار كامل من قبل مديري المدارس بعملية ضبط الطلاب أن مدير ثانوية للذكور في حي عكرمة ولكي يجعل غياب طلاب الثالث الثانوي عن المدرسة شرعياً طلب من الطلاب أن يأتي أولياء أمورهم إلى المدرسة ليحصلوا على إذن منه حتى يتسنى لهم متابعة الدروس في معاهد خاصة لا تفتح أبوابها إلا خلال الفترة الصباحية …!! أي إنه يقوم بإخلاء مسؤوليته …!! فيا للعحب العجاب …!! ولا نعرف إن كان هذا الأمر مسموحاً به أم لا ..؟؟
بينما طلبت مديرة ثانوية في حي الزهراء بحمص من طالبة في الثالث الثانوي أن تأتي يوماً واحداً في الأسبوع إلى المدرسة وتتغيب بقية الأيام كنوع من إثبات الوجود فقط …؟؟
إنَّ من يتجول في شوارع حمص بعد انتهاء دوام المدرسة وحتى قبله يشاهد أعداداً من الطلاب يجوبون الشوارع ويتجهون إلى منازل المدرسين .. وحتى خلال أيام العطل، حتى يحسب المرء وجود مدارس مخفية ضمن أحياء المدينة.
كما توجد مدارس لا تطلب الالتزام بالدوام في ساعات محددة ولا تطلب لباساً خاصاً وليس فيها ترديد شعار واصطفاف للطلاب في الباحة مع ما يرافقها من توبيخ للطلاب من قبل الكادر التدريسي، مدارس شعارها الوحيد : احضر كتبك ودراهمك وسيكون مرحباً بك.
توجهنا إلى مديرية التربية في حمص للقاء مدير التربية «وليد المرعي» بهدف معرفة رأيه بما يحصل في المدارس .. فقال : نحن ضد ما يحدث وعلى علمٍ به، وتقوم الضابطة الموجودة لدينا «يومياً» بتسجيل معاهد مخالفة وإغلاق وتشميع غير النظامي منها لكننا لا نستطيع ملاحقة المدرسين إلى منازلهم لمنعهم من إعطاء الدروس الخصوصية، وبشهادة وزارة التربية فإن محافظة حمص هي من أكثر المحافظات حرصاً على قمع المخالفات، وقد فصلنا منذ فترة «40» طالباً من ثانوية «محسن عباس» بسبب غيابهم المتكرر عن المدرسة وتلقينا عدة اتصالات من أولياء الأمور ومن أشخاص يريدون التوسط للتراجع عن قرار الفصل .. ولم نتراجع، وحتى حين يُحضر الطلاب تقارير طبية لتبرير غيابهم لا نقبلها ..وأضاف «مرعي» رداً على سؤالنا حول تهريب الطلاب من قبل المستخدمين على الباب مقابل مبلغ مالي معين بأنهم يعرفون هذا الأمر أيضاً وقد فصلوا أحد المستخدمين من مدرسة في حي «وادي الذهب» بسبب هذا الموضوع .. ولفت المرعي إلى أنه لدى مديرية التربية 1600 مدرسة ومن الصعب ضبطها أو معرفة ما يحصل في كل مدرسة ..!!
أما عن عدم وجود كوادر تدريسية في بعض مدارس الريف كمنطقة «حسياء» على سبيل المثال ، فقال : من أين نأتي بخريجين لملء الشواغر الموجودة ..؟؟ ونحن لدينا فائض مدرسين في بعض الاختصاصات، نحن في المديرية لا نستطيع نقلهم لأنهم معينون وفق مسابقة وزارة التربية.
أما بخصوص قضية حصول بعض مدرسي الشهادات على إجازات صحية فقال : لا أستطيع كمدير تربية أن أمنع مدرس أو مدرسة من الحصول على إجازة صحية لأنه في حال حصول أي مكروه لهم تقع المسؤولية على عاتقي ..وهذا الأمر تتحمل مسؤوليته مديرية الصحة فهي من تمنح إجازات صحية لمدة شهر.
منصة تعليمية ولكن!
أحدثت مديرية التربية منصة تعليمية لإعطاء دروس لطلاب الشهادتين عن بعد .. ويعمل فيها مدرسون مختصون .. لكن إذا أجرينا إحصاءً دقيقاً لعدد الطلاب المستفيدين منها لوجدنا أنه لا يتجاوز عدد أصابع اليدين .. فهي تتطلب وجود تيار كهربائي مستمر وشبكة نت وهذان الأمران غير متوفرين في الظروف الحالية ..ومع ذلك يرى مدير التربية أن المنصة خطوة جيدة وتحقق فائدة تعليمية حتى لو كان عدد المستفيدين منها عشرة طلاب فقط .. وهي ليست مخصصة لإعطاء الدروس في مواد محددة وإنما لتقوية الطلاب في مواد يشعرون أنها صعبة وبحاجة لدروس داعمة لهم لفهمها أكثر.
كلامٌ لا بد منه
ربما لا تكون حمص هي المحافظة الوحيدة التي يحدث فيها ما يحدث من خلل وتردي في واقع العملية التعليمية .. وهي نموذج عن جميع المدن والمحافظات .. وعلى وزارة التربية والتعليم والجهات الأخرى أن تتحرك بسرعة لإيجاد حل جذري لما يحصل .. ولا يتحمل أولياء الطلاب تدني رواتب المعلمين وسوء وضعهم المعيشي .. وإنما هناك جهات أخرى تتحمل تبعات الموضوع ومنعكساته على واقع منظومة التعليم في مختلف مراحلها .. فلنفكر بإعادة قيمة وهيبة المدرس وإعادة التألق لمدارسنا قبل فوات الأوان ؛ لأن تطور البلد يبدأ من اهتمامنا بقطاع التعليم وتطويره وليس العكس .. والتعليم ليس مشروعاً متعثراً بسبب الحرب كما بقية المشاريع لأنه يتعلق ببناء البشر وليس الحجر .. مع يقيننا بوجود تأثيرات سلبية انعكست على التعليم من خلال خروج 298 مدرسة عن الخدمة في الريف والمدينة بسب تخريبها.