الثورة – دمشق – تحقيق لينا شلهوب ومريم إبراهيم:
في طريقنا إلى مدينة الحجر الأسود في محافظة ريف دمشق، تلك المدينة المنكوبة جرّاء ما شهدته من الإرهابيين أثناء الحرب على سورية، ومنذ لحظة دخولنا بدت لنا كأنها خالية من الحياة، إلا أن وقوف عدة أشجار بين الركام، وأمام بعض الأبنية المهدّمة، المتصدّعة أوحى لنا أن معالم الحياة قائمة رغم كلّ المشاهد المحزنة، إذ إن المدينة بمختلف مكوناتها بدأت تتحدى كلّ المعوقات لعودة الحياة إليها بعد سنوات من الدمار والتهجير، لأن سورية كما طائر الفينيق.. مصممة على النهوض من تحت الرماد.
الأولوية لفتح الطرقات
رئيس مجلس مدينة الحجر الأسود المهندس خالد خميس بيّن لـ”الثورة” أن المدينة تحررت على أيدي أبطال الجيش العربي السوري في شهر أيار من عام ٢٠١٨، لكنّها تعرضت للكثير من الدمار من قبل العصابات الإرهابية المسلحة، والحرب على سورية، إلا أنه وفي عام ٢٠٢١ بدأت العودة إلى الحياة بعد إجراء عدة أعمال بالبنية التحتية، إذ كانت الأولوية لفتح الطرقات الرئيسية، وجزء كبير من الطرقات الفرعية في أحياء (الثورة، تشرين، الاستقلال)، وذلك بواسطة آليات مديرية الخدمات الفنية في محافظتي ريف دمشق والقنيطرة.
ولفت إلى أن هناك خطّة لتنفيذ عدد من المشاريع الخدمية الهامة، منها تنفيذ مشروع للصرف الصحي والذي سينطلق حين الانتهاء من دراسة فروق الأسعار، كما أن هناك خطّة لتأهيل وإصلاح شبكة المياه، وتأهيل خزان مياه بيتوني بسعة ٥٠٠م٣، وسيتم إطلاق المشروع ريثما يتم الاتفاق مع المنظمات الدولية.
وأوضح المهندس خميس أن المدينة كانت غارقة بمياه الصرف الصحي القادمة من مدينة دمشق من جهة منطقة القدم باتجاه محطة ضخ اليرموك، وهذا شكّل عائقاً أمام عودة الأهالي، لذا قامت منظمة الصليب الأحمر بالتعاون مع محافظة ريف دمشق ومجلس المدينة بإجراء صيانات وإصلاحات للخط الرئيسي بمسافة وصلت إلى ١٨٠٠ م، عبر وضع قساطل قارب قطرها ١ م، واستبدال ما يقارب الـ ٣٠٠م، وهذا الأمر كان من الأساسيات تمهيداً لعودة الأهالي.
وأضاف: قامت مديرية كهرباء ريف دمشق بإدخال الخط المتوسط من منطقة حوش بلاس بمسافة ٣ كم، مع تركيب مركز تحويل يغذي حي الثورة وجزءاً من حي تشرين، لكن الطموح لـ ٥ مراكز لتغطية حاجة المدينة، كما تم تركيب ٤٠ عموداً على الطاقة المتجددة (إنارة في المدينة، توزعت بين حيي تشرين والثورة وأتوتستراد مدينة الحجر الأسود).
التغذية الكهربائية
فيما أكد الأهالي أن للكهرباء قصصاً وحكايات لا تنتهي، فمشكلاتها كثيرة، ليس لجانب ساعات التقنين الطويلة فحسب، وإنما لعدم وضع المحولات الكافية في المناطق المحتاجة، وعدم وصول الأعمدة الكهربائية، إضافة لمفارقة واضحة تبدو للعيان، فهناك حارات تنعم بالكهرباء وحارات محرومة منها لسبب أو لآخر.
وفي هذا السياق، بين مدير كهرباء ريف دمشق المهندس غياث عيدة لـ”الثورة” أنه تمّ العمل على تركيب مركز تحويل كهربائي باستطاعة ٦٣٠ كيلو فولت أمبير، عند فرن الجولان، وهذا سيؤمن التغذية الكهربائية لأحياء الوحدة وتشرين والثورة والاستقلال والمؤسسات الحكومية من مستوصفات ومدارس ومياه.
مصيدة الريكارات
ولفت رئيس مجلس مدينة الحجر الأسود إلى أن عدد العائدين وصل إلى أكثر من ٢٥٠٠ عائلة، والعدد إلى تزايد، منوهاً بأن هناك بعض الإجراءات لدخول الأهالي عبر إثبات الملكية مع بيان عائلي، علماً أن الأهالي يعانون من فقدان بعض الثبوتيات نتيجة بقاء الأوراق في المدينة أثناء الحرب على سورية.
ومن الأعمال التي تم تنفيذها بجهود مختلف الجهات، صيانة لخط الصرف الصحي في حي تشرين (الخط الرئيسي مع بعض الأحياء الفرعية) بالتعاون مع منظمة إسعاف أولي الدولية، مشيراً الى أن المدينة تشكو من عدم وجود أغطية للريكارات، الأمر الذي يتسبب ببعض الحوادث للأشخاص جرّاء السقوط بها، كاشفاً أن محافظة ريف دمشق رصدت ٤٠ مليون ليرة من طوارئ المحافظة، وقام مجلس المدينة بالإعلان عن مناقصة لمرتين، لكن لم يتقدم أحد لتنفيذ المشروع، لكن حالياً تقدم متعهد وبانتظار تصديق العقد الذي تحكمه فروقات الأسعار.
ثلاث مدارس
وأشار المهندس خميس إلى أن عودة الأهالي إلى المدينة أسهم بتراكم كميات إضافية من الأنقاض، نتيجة تنظيف الأهالي لمنازلهم، ما أدى إلى ازدياد كميات الأنقاض، إلا أنه بمساندة من آليات الخدمات الفنية في كل من محافظتي ريف دمشق والقنيطرة، تم تنظيف عدد من الأحياء المأهولة بالسكان- ليس بشكل كلي- لكن كميات الأنقاض كبيرة وبالأطنان، لذا من أولويات المجلس بذل الجهود من أجل ترحيل الردميات، إلا أن هناك صعوبات كبيرة تقف عائقاً وتلعب دوراً أمام هذا الهدف.
وتطرق إلى أنه تم تنفيذ ٣ مدارس بالتعاون ما بين المحافظتين المذكورتين، لأن المدينة فيها قطاعان مشتركان ما بين ريف دمشق والقنيطرة، نتيجة وجود العدد الأكبر من السكان من القنيطرة و بنسبة ٨٠ ٪، لذا تم تجهيز ثلاث مدارس (مدرسة الحجر الأسود الثالثة عن طريق منظمة إسعاف أولي، ومدرسة حسان بن ثابت التي أصبحت تسمى بـمدرسة خالد بن الوليد، عن طريق منظمة UNDP وهذه من الصف الأول حتى التاسع، وهاتان تتبعان لمديرية تربية ريف دمشق، بالإضافة إلى مدرسة أحمد زعل الفاضل تابعة لتربية القنيطرة وتم افتتاحها العام الماضي مع بداية الفصل الثاني، وهذه المدارس في الخدمة وفيها ما بين ٦٠٠ – ٧٠٠ طالب، إلا أن طلاب المرحلة الثانوية العامة، الفنية، الصناعة – يعانون بالذهاب إلى المناطق القريبة، نتيجة تكاليف النقل.
مستوصفان..بلا أدوية
وأكد رئيس مجلس المدينة أنه تم تجهيز مستوصفين، أحدهما تابع لصحة ريف دمشق، ويعمل يومين بالأسبوع، وآخر تابع لصحة القنيطرة، لكن خلال اللقاء مع الأهالي أكدوا عدم توفر الأدوية فالمستوصفان يقدّمان خدمة قياس الضغط والسكر، ولا يوجد أدوية، بينما نوه مدير الصحة الدكتور ياسين نعنوس بأنه تمّ إمداد المستوصف بالإسعافات الأولية، وفي حال ثبت أن الكادر الطبي لا يداوم ستتم المحاسبة.
للنقل شجون
ولفت المهندس خميس إلى أنه يوجد على مسار خطّ النقل في الحجر الأسود ٣٤ سرفيساً يخدّم المدينة، بينما أكد الأهالي أنه لا يعمل على الخط سوى ١٤ سرفيساً، وهي لا تصل إلى نهاية الخط لتخديم الشريحة الأكبر، فعدم تقيد السرافيس بالمسار يسبب مشاكل وأعباء لسكان الأحياء البعيدة عن آخر نقطة يصل إليها الخط، ويضطرون للسير مسافات طويلة، وهم يحملون احتياجاتهم اليومية ومتطلبات العيش، ومنهم كبار السن، ولكن يبدو أن للسائقين وجهة نظر مغايرة، حيث يبين أحد السائقين العاملين أن هناك صعوبات ومعوقات للوصول لنهاية الخط، إذ أن صعوبة الطرق تسبب الكثير من الأعطال للآليات، وعدم كفاية مخصصات المازوت المطلوبة للتخديم في هذا المجال ،الذي يشتكي منه القاطنون، وهذا هو السبب بعدم الوصول إلى نهاية الخط المحدد، علماً أنه تم رفع كتاب عن طريق المجلس والناحية ليصل الخط إلى المنطقة الصناعية كراج السيدة زينب.
٢٠٠ ربطة خبز فقط
إحدى المشكلات التي يعاني منها الأهالي وتسبب لهم الكثير من المنغصات، عدم توفر مادة الخبز، فلا يوجد أفران، ويتم الاعتماد على معتمد واحد مخصصاته ٢٠٠ ربطة فقط، وهذا لا يكفي العدد الموجود من الأهالي، ما يدفعهم ويضطرهم لشراء ربطة الخبز الواحدة وتأمينها من خارج المدينة بشكل حر بسعر يصل إلى ٥٠٠٠ ليرة.
ولدى الاستفسار من مدير تموين ريف دمشق نائل اسمندر، أكد أنه تم رفع الكمية من ٢٠٠ إلى ٣٥٠ ربطة للاعتماد نفسه، وقريباً سيتم تزويد المعتمد بالكمية المعلن عنها، مشيراً أنه ربما يتم إضافة معتمد آخر لتغطية حاجة الأهالي.
حلول إسعافية للمياه
كما يعاني السكان العائدون من عدم توفر المياه، فقد أشار المهندس خميس إلى إجراء حلول إسعافية عبر توزيع عدد من الخزانات يصل إلى ١٠ خزانات سعة ٥م٣، أي ٢٥ برميلاً، تمّ توزيعها في عدد من الأحياء، وتقوم مؤسسة المياه بتعبئتها يومين في الأسبوع، أما مياه الاستخدامات اليومية فيتم تأمينها عبر الصهاريج بمبلغ يصل إلى ٤٥ ألف ليرة للخزان، مشيراً إلى أن ٦٠٪ من شبكة المياه متضررة، لكن لم تتم تجربة الشبكة حتى الآن، وهذا بعهدة المؤسسة، إلا أنه من الواضح أن شبكة المياه مهترئة كونها قديمة، والحرب دمرتها، وتحتاج إلى استبدال بالكامل وهذا يتطلب تكاليف باهظة، ربما تصل إلى أكثر من ٢٥ مليار ليرة، لذا تمّ تجهيز بئرين إسعافيين لتأمين المياه وإمداد الأهالي بها.
مركز الهاتف مدمر
وبين رئيس مجلس مدينة الحجر الأسود أن مركز هاتف المدينة مدمر بالكامل،الذي كان من الأبنية الحديثة على مستوى القطر، مضيفاً أن هناك وعوداً لتركيب أبراج، لكن حتى الآن لم تنفذ.
لعل تبعات الحرب على سورية تظهر معالمها في مختلف جوانب الحياة، في فترة يتم الإعلان عنها بأننا نخطو باتجاه مرحلة إعادة الإعمار وتتجه الأنظار إلى تأمين وتوفير مختلف الخدمات سواء لعودة الأهالي إلى مناطق استقرارهم بعد أن ترك الإرهاب بصماته عليها، أو لإعادتها لمن ناضل وصبر وتشبث بأرضه، لكن الأنظار تشوح ببعدها ورؤيتها عن البعض منها مغفلة احتضان تلك المناطق على اعتبار أن مجالسها المحلية مكفلة بتخديمها، إلا أن غياب عناصر الحياة عنها بات يلتهم صبرهم ويزيد من معاناتهم في ظلّ وجود مناطق تئن من وقع ما جرى فيها وعليها، لذا فسكانها يواصلون غربتهم الداخلية من دون أن يجدوا من يأخذ بيد مشكلاتهم نحو الحل.
مخططات تنظيمية
يذكر أن محافظة ريف دمشق في العام ٢٠٢١ بالتنسيق مع شركة الدراسات الهندسية التابعة لوزارة الأشغال، قامت بإعداد مخططات تنظيمية تفصيلية لعدد من المناطق المنظمة المحاطة بسكن عشوائي غير سليم من الناحية الإنشائية والعمرانية ومنها الحجر الأسود.
وبيّن مدير دعم القرار والتخطيط الإقليمي في المحافظة آنذاك أنه ” تمّت المباشرة بإعداد الدراسة اللازمة لمدينة الحجر الأسود، وتسليم المرحلة الأولى على أن يتم استلام المخطط التنظيمي الكامل للمدينة نهاية حزيران من العام الذي تلاه، والبنى التحتية ستكون جاهزة اعتباراً من شهر تموز”، مشيراً أنّ القانون الناظم لمخطط الحجر الأسود هو المرسوم 5 لعام 1982 المعروف باسم قانون التخطيط العمراني والذي تم تعديله بموجب القانون 41 لعام 2002.
ويتيح هذا القانون استثمار التفويض الممنوح للمحافظة ولمجلس القنيطرة بموجبه تحديد المناطق التي تراها بحاجة إلى إعادة إعمار أو توسعة ويمنحها صلاحية وضع مخططات تنظيمية لتلك المناطق وهو ما يعطيها سلطة واسعة في اختيار الزمان المناسب والأماكن التي تريد تنظيمها.
وللعلم فإنَّ مدينة الحجر الأسود تبدأ حدودها من نهاية “شارع 30” في مخيم اليرموك، وتتبع إدارياً إلى محافظة ريف دمشق، ومجلس محافظة القنيطرة، وتضم أحياءً أبرزها: “الجزيرة، الثورة، الاستقلال، تشرين، الزين، العلف”، وتبعد عن مركز مدينة دمشق ٨ كم.