الثورة – رشا سلوم:
مازالت الشاعرة السوفييتية آنا تشغل المشهد الثقافي والإبداعي ليس في روسيا فحسب بل في العالم كله، ثمة احتفاءات باستعادة محطات من سيرتها وترجمات قصائدها بمناسبة ولادتها ورحيلها.. نقدم باقة عن حياتها وأشعارها.
محطات
شاعرة وناقدة أدبية ومترجمة روسية، تعتبر من أركان الأدب الروسي في القرن العشرين، عذبتها آلام الحياة فحولتها إلى أدب عذب، ودخلت وابنها السجن بسبب مناهضة الثورة الشيوعية.
ولدت آنا أخماتوفا يوم 11 /حزيران عام 1898 في أوديسا في روسيا القيصرية لعائلة تميزت منذ صغرها بطبعها الحاد، وفي نفس الوقت اتسمت بالذكاء والفطنة فتعلمت القراءة -وهي في سن الخامسة- من أعمال الكاتب الروسي الشهير ليف تولستوي، وأجادت اللغة الفرنسية وهي تسترق السمع لدروس الفرنسية التي كان يتلقاها أشقاؤها.
التحقت بالمدرسة الأدبية عام 1900 وأمضت فيها خمسة أعوام ثم انضمت إلى مدرسة خاصة في كييف، وتلقت دورات في الأدب والتاريخ 1908.
تجولت -على غرار أغلبية أبناء الأثرياء والنبلاء حينذاك- في أوروبا، فزارت باريس وروما وتعرفت على عدد من رموز الثقافة والأدب هناك.
إبداعها
صدرت أول مجموعة شعرية لها في 1912 تحت عنوان “أمسية”، ثم أتبعتها بمجموعة ثانية في 1914 بعنوان “المسبحة”، ومجموعة ثالثة في 1917 بعنوان “القطيع الأبيض”، ومجموعة رابعة في 1921 بعنوان “أعشاب على جانب الطريق”.
وقد عكست -في كل هذه المجموعات- همها الخاص وخلطته بتناول التطورات السياسية الجارية في بلادها فكان هذا كافياً لدخولها دائرة المحظور، إذ أمرت السلطات بعدم نشر أشعارها وأعمالها الأدبية خلال 1923-1934.س
ساهمت فترة المنع هذه في انضمامها إلى اتحاد الكتاب السوفيات 1938، لكنها عادت فأصدرت مجموعة شعرية حزينة تارة ومتمردة تارة أخرى عام 1939 تحت عنوان “مرثاة”، وخصصتها للحديث عن “العسف السياسي” في بلادها، وتجربتها الخاصة مع إعدام زوجها الأول نيقولاي غوميليوف في 1921، واعتقال ولدها الوحيد ليف غوميليوف والزج به في السجن مدة طويلة.
تقدير
لم تذكر المصادر جوائز أو أوسمة مُنحت لأخماتوفا باستثناء جائزة الشعر والأدب في إيطاليا عام 1964.
توفيت آنا أخماتوفا يوم 11 /آذار 1966 في ضواحي العاصمة الروسية موسكو.
المصدر: الجزيرة
مختارات من شعرها
نشر موقع المسيرة العديد من قصائدها وهي من ترجمة الدكتور ثائر زين الدين..
نقتطف منها:
ـ1ـ
لا تُقصّف رسالتي يا صديق
بل اقرأها حتى النهاية
لقد مللتُ أن أكونَ مجهولةً
غريبةً في طريقك.
لا تنظرُ هكذا، عابساً مُتجِّهاً.
فأنا حبيبتك، أنا لك
لستُ راعيةً، ولا أميرة
وما أنا راهبة.
رُبّما ما زلتُ في ردائي الرمادي المُعتاد
وعلى كعبينِ عتيقين
ولكنني كسابق عهدي، حارة في العناق
والرعبُ يملأُ عينيَّ الكبيرتين.
لا تقصّف رسالتي يا صديقي
ولا تبكِ كذبةً محبوبةً
ضع الرسالة في حقيبةِ سفركَ الفقيرة.
في قعرها العميق نفسه.
1912
__
ـ2ـ
وأظلَمَ في السماء الطلاء الأزرق
وتعالت أغنية الناي
لكنّهُ ليسَ إلا قصبة..
لا سببَ يجعله يشكو هكذا
فمن يا تُرى حَدّثَهُ عن ذنوبي؟
ولأي شيء يغفر لي؟
أم أنّ هذا الصوت يُرجِّعُ
على مسامعي آخر أشعارك.
1912
__
ـ3 ـ
مَرحباً! أتسمَعُ حفيفاً خفيفاً
إلى اليمين من طاولتك؟
لن تتمكّن من كتابة هذهِ الأسطر الباقية ـ
فقد أتيتُ إليك.
أتُراكَ تغضبُني
كما فعلتَ في المَرّةِ الماضية ـ
فتقول إنكَ لا ترى يديّ!
لا ترى يديّ أو عينيَّ؟
عندكَ المكانُ وضيءٌ وبسيط؛
فلا تطردني..
إلى حيث تتجمّد المياهُ الآسنة
تحتَ قنطرةِ الجسر الخانقة.
1913
__
4 ـ صوت الذاكرة
إلى أولغا أفانا سيفناغليبوفا
ما الذي تَريَنهُ وأنتِ تنظرينَ حزينةً إلى الجدار
في ساعةٍ، تحلُّ فيها لحظاتُ الشفق الأخيرة؟
أنورساً فوقَ بساطِ الماء الأزرق؟!
أم حدائق فلورنسيّة؟!
أم لعلّكِ ترينَ منتزهَ الضاحيّة القيصريّة الكبير
حيثُ اعترضَ القلق طريقكِ؟!
أم ترينَ عند ركبتيك ذلك الشاب
الذي هَجَر أسرَكِ إلى موتِهِ الأبيض.
لا. أنا لا أرى إلا الحائط ـ وعليهِ
تنعكسُ نيرانُ السماء المنطفئة لتوّها.
18 حزيران 1913