وجد جبران الموسيقا كالمصباح تطرد ظلمة النفس، وتنير القلب فتظهر أعماقه، لأنها ترافق أرواحنا وتجتاز معنا مراحل الحياة، تشاطرنا الأرزاء والأفراح، وتساهمنا السرّاء والضرّاء، وتقوم كالشّاهد في أيام مسرّتنا، وكقريبٍ شفوقٍ في أيام شقائنا.
ولعل كل ما نسمعه اليوم من أغانٍ كتبت على حائط سجين، أو على كرّاسة ثائرٍ ولاجئ تحكي حكايتنا، نحن المتعبون من حمل حقائبِ الأحلام وجوازات السفر عنوة عنّا، وعسى أن يكون قد جاء اليوم لنغنّي للحياة والفرح بعد ظلمة أسرٍ طال أمده.
وكان لابد في هذا الوقت الذي يسير بسرّعة الرّيح، حاملاً تغييراً جذريّاً على جميع المستويات، أن نتطلّع لحريّة فكريّة مسؤولة بأن يكتب الشّاعر ما ينضحُ به خياله ورؤاه، بعيداً عن القيود والأغلال التي كان يضعها حارس البوابة آنذاك، وبعيداً عن تجربتي الخاصة في ذلك، فقد حان لنا أن نطلقُ العنان لأصواتنا المكبوتة ونغنّي بملء الحناجر ألمنا وجراحنا، فنتداوى ونشفى معاً بالكلمة الحقّة واللون الجريء والغناء الحرّ، بعيداً عن النُشّاز الذين يريدون وأد محاولاتنا في ذلك، والرهان على صوتنا في أن يصدح في مرحلة استثنائيّة تعيشها سوريا الحرّة.
نبقى على يقين أنّ الثقافة تميّزنا، نتشارك بها ونرتقي معها نحو مشاعرنا الإنسانيّة جمعاء متمثّلة بالفضائل، العقل والفكر والحكمة، وهنا لابد من الإشارة إلى أن للموسيقا فلسفة خاصة بها كما سواها، فكما وصفها أفلاطون “للموسيقا قانون أخلاقيّ، فهي تعطي روحاً للكون، وأجنحةً للعقل، وتمنحُ الخيال طيراناً، وسحراً ومرحاً للحياة ولكل شيء” نعم لكل شيء!
إنّنا ننتظرُ بشوقٍ أن تستعيد وزارة الثقافة دورها في فتح الأبواب المغلقة لنتنفّس الحياة بسيمفونيّتها المتنوّعة التي كانت ولا تزال جزءاً من فسيفساء سوريا الحضارة والثقافة والجمال التي نحن بأمس الحاجةِ إليّها أكثر من أي وقتٍ مضى.