الثورة – إيمان زرزور:
شهدت سنوات الحرب في سوريا تراجعاً مأساوياً في مؤشرات الفقر والمعيشة، حيث يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر بحسب تقارير أممية، وأسهم النزوح الداخلي، وفقدان مئات آلاف المعيلين بسبب القتال أو الاعتقال، في دفع آلاف النساء والأطفال إلى الشوارع للتسول.
لكن مع مرور الزمن، تحوّل التسول من ظاهرة فردية إلى نشاط منظم، تقوده شبكات تستغل الفئات الأكثر ضعفاً، خاصة في أحياء عديدة من العاصمة دمشق، مثل ركن الدين، الزاهرة، والمرجة، في ظل تحديات كبيرة تواجه الحكومة السورية لإيجاد حلول جذرية.
وفي السياق، أطلق الكاتب والصحفي السوري محيي الدين لاذقاني نداءً إنسانياً حاراً إلى وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات، مطالباً بتحرك عاجل لمواجهة ظاهرة التسول المتفاقمة في شوارع العاصمة دمشق، والتي قال إنها “لا تُشبه سوريا التي عرفناها”، في إشارة إلى الانهيار الاجتماعي الذي خلّفه نظام الأسد.
في رسالته، أشار لاذقاني إلى الانتشار الكثيف للمتسولين في الشوارع، واصفاً المشهد بأنه “مهين للكرامة السورية”، ودعا إلى إطلاق خطة إنسانية عاجلة تبدأ بتوفير مراكز سكن جماعية تضمن الحد الأدنى من مقومات العيش، ثم تأمين فرص عمل للفئة القادرة، مشدداً على أن الوزارة تمتلك الكوادر القادرة على تقدير حجم الأزمة.
ولفت إلى إمكانية الحصول على دعم من منظمات دولية ودول شقيقة لتمويل هذه المشاريع، موجهاً حديثه للوزيرة: “أنتِ أدرى بالجهات الدولية ودروب الدعم الممكنة، ولا شك أن هذا الملف يجب أن يكون في صلب أولويات الوزارة”.
وتعكس هذه الرسالة واقعاً اجتماعياً مأزوماً، إذ باتت ظاهرة التسول من أبرز التحديات في العاصمة دمشق، في ظل مشاهد يومية للمتسولين عند إشارات المرور، وأبواب المساجد والمستشفيات، نتيجة التدهور الاقتصادي الحاد بعد سنوات الحرب، وتفكك منظومة الرعاية الاجتماعية التي أهملها النظام البائد لعقود.
ويجمع خبراء اجتماعيون على أن مواجهة التسول تتطلب خطة وطنية متكاملة، تشمل “إنشاء مراكز إيواء مؤقتة للمتسولين، خاصة الأطفال والنساء، وتقديم برامج تأهيل نفسي ومهني تضمن إعادة الدمج، وملاحقة شبكات التسول المنظمة قانونياً، وإطلاق برنامج دعم نقدي للأسر الأكثر فقراً، وتعزيز شراكة الدولة مع المنظمات الإنسانية والمجتمع المدني.
لا تعكس ظاهرة التسول في دمشق مجرد فقر اقتصادي، بل هي مؤشر على تصدع العقد الاجتماعي السوري، وفق ناشطين، الذين شددوا على أن المواطن السوري لم يكن يوماً ذليلاً، وأن ما يحدث هو نتيجة مباشرة لسياسات الفقر والتهميش التي كرسها نظام الأسد لعقود.
وتؤكد رسالة لاذقاني، وما يتبعها من مطالبات مجتمعية، أن معالجة هذه الظاهرة لا تحتمل التأجيل، وأن استعادة صورة دمشق كمدينة للكرامة والعطاء تبدأ من حماية أضعف أبنائها، وإعادة الاعتبار لقيم العيش الكريم.
وكانت اجتمعت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السيدة “هند قبوات” مع معاون الأمين العام لرئاسة الجمهورية لشؤون رئاسة الوزراء السيد “علي كده” لمناقشة عدد من الملفات الحيوية المتعلقة بمواجهة ظاهرة التسول وأيضاً واقع اللاجئين والنازحين، وسبل تعزيز التعاون بين الوزارات لضمان استجابة فعّالة للملفات ذات البعد الاجتماعي، والتشاور حول سبل تطوير المؤسسات الخدمية ذات الطابع الإنساني.