الثورة – رنا بدري سلوم:
ترنو عيوننا معه، نحلل أبعاد زيارة تاريخية إلى الولايات المتحدة الأميركية، زيارة هي الأولى لرئيس سوري منذ عام 1967، ما يعتبر تتويجاً لحقبة جديدة من العلاقات السورية- الأميركية، تسعى سوريا الجديدة للتحالف معها، والانفتاح نحو العالم ليس سياسياً واقتصادياً فحسب بل اجتماعياً وثقافياً، لتبقى سوريا كما كانت حاضنة ثقافية، فكيف يحلل المثقفون هذه الزيارة وما انعكاسها على الجانب الثقافي الذي عانى نتيجة رحى الحرب الدائرة والتي قلبت موازينه.
الدكتور في النقد والأدب المقارن براء هلال- المتخصص في الشؤون الدولية، يرى أن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد انقطاع دام أكثر من نصف قرن، شكلت حدثاً لافتاً ليس فقط على الصعيد السياسي، بل على الصعيد الثقافي والدولي، وفيما لا يمكن تجاهل الإرث السلبي للدور الأميركي في المنطقة، فقراءة هذه الزيارة من زاوية الثقافة والانفتاح الدولي يكشف أبعاداً مهمة لسوريا التي تتعافى من العزلة بحكم السياسية الخارجية الناجحة التي تسلكها الدبلوماسية السورية، فهناك خروج من العزلة الثقافية الدبلوماسية.
ويتابع الدكتور هلال بالقول: سوريا لها ملحقات ثقافية في كل أرجاء العالم، تتفعل الآن في المؤتمرات والمعارض الدولية والمساهمات الثقافية، بعدما كانت هناك قيود كثيرة على عملها خاصة وأن الرئيس الشرع سيخاطب بالأمم المتحدة ويلتقي بقادة الدول خلال الزيارة التي ستستمر خمسة أيام، بالإضافة إلى أنه لم يزر أي رئيس منذ الرئيس أمين الحافظ 1964 الولايات المتحدة الأميركية.
دور فاعل ومتوقع
هذه الزيارة لها آثار إيجابية في الحضور الرمزي السوري الذي يعيده إلى الواجهة، لا نكتفي الآن بالوقوف على رصيف المراقب بل سنأخذ دور الفاعل، نحن الآن نعيش عصر الذكاء الاصطناعي والتعاون مع الولايات المتحدة بالتطور والمعلومة، هذه العلاقات مهمة جداً اليوم، بعدما كانت سوريا ليس لها حضور على المنصات الرقمية والجامعية والثقافية.. وكل هذا نتوقع أن يتغير بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع، أيضاً اليونيسكو وتلك المنظمات الدولية التي كانت سوريا غائبة عنها بحكم العزلة الدولية والقطعية، حينما كانت سوريا مندرجة في المعسكر السوفييتي.
وبرؤية المثقف المتخصص بالشأن الثقافي، يجد هلال، أن الزيارة تتيح لسوريا الاستعانة بالخبرات الأميركية لترميم المواقع الأثرية بالتراث المادي واللامادي، قائلاً: لدينا الكثير من المواقع الأثرية، بعضها دخل في تصنيف اليونسكو للمواقع العالمية وأغلب اللامادي لم يدرج بالمنظمات الدولية وقد تدمرت مدن تراثية عديدة بفعل الحرب، إن زيارة الرئيس السوري ستساهم في إعادة ترميمها وتضافر الجهود الدولية لحل تلك المشكلات.
ولفت إلى أن سوريا تمتلك واحدة من أهم الهويات الحضارية وستستعيد مكانها، فهي موطن الثقافات الكبرى من أوغاريت إلى تدمر، وأن إلقاء كلمة باسم سوريا من أعلى منبر يعطي سردية سورية جديدة ويعيد فتح الباب الديبلوماسي، وتفعل البرامج الثقافية المشتركة المتنوعة، وتستعيد اللغات ومراكز الترجمة دورها وتعلمها وتفعل المراكز الثقافية التي ستؤدي نشاطاً باهراً ومثمراً.
رمزية التوقيت والمكان
وأوضح أن العالم يعاني اليوم من انقسامات ثقافية، فإن ظهور سوريا بمشهد دولي يعيدها لموقع الفاعل الحضاري وتظهر استعداد سوريا لتكون حاضنة ثقافية ولو كان هناك اختلاف في المواقف السياسية بحرب غزة مع الولايات المتحدة الأميركية، لكننا نستطيع أن نستفيد من الجانب الثقافي الذي لا يؤثر على موقفنا السياسي، مؤكداً أن هذه الزيارة كسر لحصار ثقافي طويل، تعيد سوريا إلى مكانها الطبيعي الدولي.