ثورة أون لاين – د. خلف المفتاح:
التصعيد الإرهابي العدواني على سورية على مختلف جبهات المواجهة وفي توقيت واحد يدل دلالة أكيدة على أن مركز القرار والتوجيه هو واحد لكل العصابات والجماعات المسلحة بأذرعها العسكرية والسياسية والإعلامية
وأن أي حديث عن تصنيفات أو تسميات لتلك القوى ما هو إلا كذب وتضليل ومحاولات خداع سياسي بهدف التملّص من المسؤولية بدعم الإرهاب وتنظيماته وعصاباته، وإلى جانب وحدة المرجعية لا بد من الأخذ بالاعتبار الدخول الحاد والمعلن للعدو الصهيوني على خطوط الأزمة جنباً إلى جنب مع النظام الأردني الذي يبدو واضحاً للجميع تورطه العسكري والاستخبارتي واللوجستي المباشر فيما يجري في الجنوب السوري، ولا سيما مدينة درعا ومحيطها الجغرافي وصولاً لمحافظة السويداء وهو الذي كان دائماً يصدر خطاباً مبهماً، بل ومنافقاً عند الحديث عن الأزمة في سورية ودور الأطراف الإقليمية في دينامياتها، بل ويعلن حرصه على ما يسميه الحل السياسي وعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري.
ومع هذا التصعيد العسكري والتسخين في كل الجبهات وما رافقه من ضجيج إعلامي هدفه التأثير في معنويات السوريين مواطنين ومقاتلين فإنه لم يحقق أياً من أهدافه فالقوات المسلحة العربية السورية وقوى المقاومة الشعبية والتلاحم الجماهيري معها أفشل تلك المحاولات اليائسة والبائسة المتمثلة بتوسيع دائرة السيطرة على المدن والحواضر والمراكز العسكرية، حيث استطاع مقاتلونا الأبطال امتصاص واستيعاب كل هذه الهجمات وإفشال كل المحاولات الهادفة لتغيير المعادلة الميدانية وحالت دون تحقيق أي اختراق بنيوي في جغرافيا المواجهة ولا سيما الحيوية منها، لا بل إن ما تكبدته العصابات الإرهابية ومجاميع المسلحين من خسائر بشرية ومادية وأعتدة فاق كل التوقعات وأحدَث صدمة لدى حاضنيهم ومشغّليهم من دول وقوى تضمر الحقد لسورية وشعبها وجيشها وقيادتها الوطنية.
إن ما أقضّ مضاجع الأعداء وأدخلهم في الحيرة ومربع اليأس هو أن الشعب والقيادة السورية وفي المقدمة قواتنا المسلحة الباسلة تزداد تلاحماً وقوة ووعياً وأداء ميدانياً كلما ارتفعت وتيرة العدوان وعلا سعير الأعداء وازدادت سحب الدخان، ولعل هذا ما ميّز هذا الشعب الأصيل ذو الحضارة العريقة، والذاكرة الوطنية الحيّة، والفهم المتقدّم للأحداث، وهي بالنسبة لهم طلاسم عجزوا عن فكّ رموزها وامتلاك أبجديتها وفهم وقراءة واستيعاب دلالاتها، ما جعلهم يكررون أخطاءهم ويعيدون إنتاج خلاصات قصور تفكيرهم وعمى بصرهم وبصيرتهم.
لقد اعتقد أعداء الشعب السوري من قوى داخلية عميلة وخارجية حاقدة أن إطالة أمد الأزمة واستمرار العدوان، وما يترتب على ذلك من فاتورة دم ومعاناة واستنزاف للطاقات والإمكانات، سيجعل القيادة والشعب السوري أمام خيارين لا ثالث لهما «إما الهزيمة والسقوط وخسارة المواجهة أو الاستسلام والإذعان لمخططاتهم وأهدافهم وقبول مطالبهم المعروفة للجميع»، ولكن ما فاجأهم وأقضّ مضاجعهم هو أن أغلبية الشعب السوري وقيادته الوطنية وقواته المسلحة الباسلة قد اتخذت القرار النهائي بالمواجهة والقتال على كل الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والمجتمعية أياً كانت النتيجة فالانتصار عند الشرفاء وأصحاب الكرامة هو الانتصار للحق والمبادئ والعقيدة، التي يؤمن بها الإنسان أو الجماعة والدفاع عنها حتى النهاية، فإما النصر أو الشهادة، ولعلّ هذا المبدأ وتلك العقيدة هي التي تفسّر ثبات السوريين الشرفاء وتضحياتهم، وتصاعد إرادة القتال لديهم مع استمرار كل هذه التكلفة البشرية والمادية وتبعاتها عليهم.
إن شعباً امتلك الإيمان والإرادة والعقيدة والثقة بالنصر، وقدّم كل هذه التضحيات الجِسام دفاعاً عن وطنه وكرامته ووجوده لا يمكن أن يعرف الهزيمة أو الخوف والتردد ويخطئ كل من يقرأ أو يتوقع خلاف ذلك، ولعلّ القادم من الأيام سيشكل صفعة لكل من عاش أوهاماً أو راهن على أضغاث أحلام.
khalaf.almuftah@gmail.com