ثورة أون لاين :خالد الأشهب
في سبعينيات القرن الماضي كتب الشاعر السوري الحموي محمد الحريري رحمه الله , وكان عاشقا للجمال سامي الأخلاق دمث الروح طيب القلب رهيفه ,
كتب قصيدة شكا فيها أن ذا عباءة خليجي كان يتجول في سوق الحميدية الدمشقي سائحا في ذلك الحين , حجب عفوا عن عيني الشاعر الحريري الفرجة على فتاة سورية جميلة رشيقة كانت تتجول في السوق أيضا, فقد اتفق بالصدفة المحضة أن ذا العباءة كان يسير بمحاذاة الفتاة بينها وبين الحريري الجالس على الرصيف , كانت القصيدة بعنوان « ألا يتزحزح ذو العباءة » ؟
عباءة خليجي سائح في دمشق حرقت قلب شاعر سوري منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما خلت ,ذوبته وجداً وتوقاً فكتب شاكياً باكياً متحسراً على ما ارتكبته العباءة الغبية بحق الشاعر وأحاسيسه وبحق الجمال وناظريه .. فما بالك بما ترتكبه وتحجبه عباءات الخليج اليوم , قصدا وليس عفوا , بحق سورية والسوريين وبما لا يقاس بحجب رؤية جمال أو خدش إحساس شاعر مرهف , ليصل إلى سفك دمائهم ودماء أبنائهم وتقطيع أوصالهم وتفجير بيوتهم وتدمير حياتهم بـ « حلال » وهابي إرهابي يعجز تاريخ الجريمة عن البوح بما هو أشد لؤما وحقدا وغدرا وخسة منه .. ومن عباءات أصحابه ومروجيه ودعاته ومفتيه, وما بالك باحتراق قلوب السوريين على وطنهم وفلذات أكبادهم وتجريح أحاسيسهم وهتك وجداناتهم وخراب بيوتهم ؟
عباءة خليجي بالأمس حجبت , وبالصدفة , وجها جميلا وقواما ممشوقا عن ناظري شاعر سوري , وعباءات خليجية اليوم تحجب, قصدا وبالتمويل والتسليح والتهريب والتحريض , الأمن والسلام والسكينة عن سورية والسوريين مثلما تحجب الحقيقة عن العالم , بل مثلما تحجب حقيقتها هي أولا بما هي عليه هذه الحقيقة من تخلف وهمجية وغدر !
الرحمة لمحمد الحريري فقد اكتشف مبكرا غدر العباءات الخليجية ولو في عفوها , والرحمة لشهداء سورية اليوم فقد اكتشفوا واكتشف السوريون جميعا غدر تلك العباءات في قصدها وتعمدها الغدر , فإذا كان ما جرى ويجري للسوريين اليوم هو من صناعة العباءات الخليجية وخناجرها المدسوسة بين أردانها والثنيات , فما الذي جرى ويجري لأهل الجزيرة العربية قاطبة منذ أمسك هذا الآل أو ذاك الآل برقابهم . وإذا كان للثورات الحقيقية أن تنشأ وأن تزهر ربيعا وثمرا حقيقيين , فأولى بها أن تغير وجه هذه الجزيرة , وأن تكنس تلك العباءات القذرة المسكونة بالغدر والخناجر .
ذوو العباءة يتزحزحون , يأكلهم من الداخل عفن الشيخوخة الوهابية وإجهاد البروستات , ومن الخارج تأكلهم حضارة العصر والحريات , وذو العباءة الذي لم يتزحزح من سوق الحميدية يوما سيتزحزح اليوم من سوق عكاظ تاركا المكان لأشعار الحريري وغيره !