ما أ كثرني مزدحمة بنفسي

منذ سبع سنين أو أكثر.. وأنا أنظر إلى البحر وهو ينظر نحوي ولا شيء يتغير..
الأشجار في الحديقة ما زالت مكسورة.. وخطوط الهاتف ترقص في الهواء وتترك كلمات العشاق تضيع.. لا الريح ترأف فيها وتقطعها ولا المشتاق يكف عن المحاولة والإنصات.. ألو..
أيها العمر الذي فات، توقف لحظة حتى يتغير هذا الشط، أو لعل الناس الماشين فوق الأوراق والأكداس من الأسماء يتعثرون ذات مساء فيبكون على اسم ضاع أو رقم ألغي أو باب لم يعد له حراس أو ناس.
يتغير؟ لم يتغير هذا البحر.. سبع سنين.. ثمانية.. والتاسعة هناك خلف الأيام بيوم وبعد العمر بألف عام.. لن تحني ظهرها الأمواج.. ولن تمسك بيدها عكازاً كي تجتاز البحر بلقيس.. أو كي تمحو زليخة وجه يوسف من عينيها المتعبتين، أو أن تصدق المملكة قصتها أو أن يغفر ذاك الواشي ويصمت عن فتنتها.. أو يتغير ماء الشط.. يصير عذباً.. لا ملح ولا يود ولا دم.
لا سفن تحمل أرجوان أجدادي الفينيقيين ولا غواصات تحمل أحفادي وتتركهم في قلب اليم.
آه يا شاطئ أحلامي.. يا دفتر حبي يا قميص حبيبي الأزرق..
كيف تمزق؟ كيف تهافت هذا السمك على أزرارك، عطرك، لونك، وأنت تغفو في الصمت.
إلى متى يقدر عاشق أن يتحمل على النار المشتعلة في أطرافه.. والهم ثقيل من أسلافه، على أكتافه، على زمن عليل.. والبحر لا يتغير ولا يتحرك ولا يوصل الرسائل.. ولا.. ولا قال.. ولا قيل.
سبع سنين.. ثم ثمانية.. ثم التاسعة تقبل مسرعة وكأنّا أقمنا لها حفلاً ووليمة، أو هي متعبة وجائعة وحزينة؟.
ماذا تودين أن نولم لأجلك؟
هل نقتص من صبر الصابرين؟
أم نعاقب الذين لم يمضوا إلى الأزرق المجنون، فيتركون حدائقك تموت على صدورهم، ووردك يجف في صوتهم؟ لماذا تأتين وحدك؟ لا يوجد معك سندس الخلاص.. وليس في جيوبك رسائل الغائبين.. ولا أوصلت لنا طوق الفل والياسمين.. ألم ترسل دمشق للبحر قصيدة؟.
أما بعث قاسيون سماء تطل على اسكندرون وأهلها، وشمساً على الجولان تسير في وادي الصراخ وحدها.. تحيي ذات الشمال وذات اليمين وتملأ بالأنين حضنها.
ياه يا بحر.. سبع.. وثمانية وتسع سنين.. وأنت، أنت، لم تغير نظرتك ولا وقفتك.. ولم تقل شيئاً للرمل ولا للحصى الذي يقوده التنين.. من واد إلى طور سينين.. من الهلاك إلى الهلاك.. كأنما ليس في الدنيا أيها البحر سواك.. كأنما عليك أن تغير ثوبك أو – تشيل – قبعة الملاك.
دعنا نرَ وجهك.. قاعك.. حقيقتك.. أأنت الذي ضربك موسى – عليه السلام – بعصاه وقسمك إلى نصفين وسار على يابستك وفتح طريق الجلجلة؟.
افتح باب النجاة يا بحر.. ملت الأمواج والأفلاك وقلوبنا الخاشعة من الرمل المدمى
والصخر المدمى.. والملح الحزين.
سبع سنين.. ثمانية وأكثر.. تعيدنا إلى مركز الدائرة لنبدأ كما لو كنا لم نمش ولم نتغير.. وصلت قوافلنا إلى آخر الأوقيانوس، وأنت ما زلت تحدق ثابتاً، عميقاً، موجوعاً، أأنت لا تحسن ابتكار الرحيل؟ أم أنك مثلهم.. القابعون في صمتهم.. يتأوهون سراً ويحملون وجعهم على ظهورهم.. وأنت؟ تسمعهم.. والغيم والليل والبرد والمطر في (عبّهم) وأنا أنظر إلى زرقتك الواسعة فأراك ضيقاً ولا تتسع لأسئلتي الواسعة.
(ما أكثرني مزدحمة بنفسي.. ما أشد وحشتي ليس في عيني أحد).
أنيسة عبود

 

التاريخ: الأربعاء 27-2-2019
رقم العدد : 16919

آخر الأخبار
عيد بلا حلويات  رئيس جمعية الحلويات لـ "الثورة": نقص اليد العاملة وراء غلائها    "بورصة دمشق" تعود غداً عودة الروح للاقتصاد.. طرح صكوك وصناديق استثمار للمستثمرين الدور السعودي .. وصياغة مستقبل سوريا   هل يحسم الذكاء الاصطناعي الصراع الأميركي الصيني؟  دمشق تستعد لاحتضان أطول برج في سوريا من بيلدكس.. الوزير الشعار : الاقتصاد السوري بدأ يتحرك بقوة السعودية وقطر تدعمان رواتب موظفي سوريا ووزير المالية يشيد مبادرات مجتمعية في بسيرين للنهوض بالواقع الخدمي بيان قطري سعودي: تقديم دعم مالي مشترك للعاملين في سوريا "بناء" رعاية ودعم نفسي لجرحى الثورة  بدرعا سوريا والكويت.. نحو علاقات وطيدة وشراكة مستدامة معرة النعمان… عودة بازار السبت تزرع الفرح مع اقتراب العيد  حركة كثيفة للقادمين من معبر نصيب دمشق والرياض تعززان مسار التعاون الاستراتيجي  "دمشق" ضمن أفضل ٦٠٠ جامعة عالمياً في تصنيف" الراوند " سوريا والسعودية تؤكدان : الشراكة الاقتصادية بوابة لإعادة الإعمار  دمشق تحتضن اجتماعاً مع ممثلي "الإدارة الذاتية" لتنسيق الاندماج  معرض "بيلدكس 22" يختتم فعالياته وسط حضور عربي ودولي واسع قافلة "عودة الروح إلى الجسد" تُعيد مئة عائلة لإدلب محافظ إدلب يستقبل وزير الداخلية ويبحثان تعزيز العمل المؤسساتي