الثورة أون لاين:
“يقوم الفنان ما استطاع بتجميل هذا العالم الموحش للوصول إلى حسٍّ من العدالة.. حين يكون الانسان عادلاً يكون جميلاً، لأن التشريع الصحيح مبني على الجمال، والجمال أوتوماتيكياً يعطي عدالة”.
كلماتٌ، لن نعرِّف بصاحبها وإنما سندعهُ يفعل ذلك بنفسه، ومن خلال قوله عن سيرته وحياته وسوى ذلك مما يشي بتفرد ريشته مثلما قلمه:
“ولدت على أرضٍ جميلة، يخترقها نهرٌ متوحش، وتزينها أشرطة من التراب الأحمر القاني. الفصول الأربعة بها متميزة بالأعاصير والثلوج والشمس..
سموني “فاتحاً” كي أحبّ وجوه الفلاحين والأعشاب والطبيعة والأطفال والأغاني، وعندما تعلمت ماهي الألوان أصبحت سعيداً. أما عما أرسمه، فالأشكال كما استقرت في ذاكرتي، بعد أن تكون قد مرت بسلسلة من التجارب، للتأكد من فاعليتها البصرية”.
بالتأكيد، عرف القارئ بأنه “فاتح المدرس”. الفنان التشكيلي الذي شغلته الحياة مذ تفتّح وعيه عليها، وبكلّ حالاتها وأشكالها.. شغلته أيضاً، حكايا التاريخ الأسطورية التي جعلته يبدع في مراقصة لوحاته، وسواء الفنية أو الشعرية أو حتى القصصية.
هو هكذا.. فنان متعدد المواهب ومتفرد في قدرته على التحليق بنا حيث الماضي وسحر الأساطير التي سطرته. أيضاً، في سعيه لتجسيد الحاضر بكل حالاته التي لونها بعد أن تأملها بعمقِ رؤيته.. الحاضر الذي وصف جمال طبيعته النقي والعفوي، بالبراعة ذاتها التي وصف بها البشاعة التي قد تنتاب العقل البشري:
“إن العقل البشري خبيث جداً، ثلاث أرباع قاذورات، لأنه يقتل، يسرق، يكذب، يسجن، يُفقِر البشر. العقل البشري هو ماكينة ليست محترمة جداً، فهناك جزء بائس فيه، من الممكن أن يكون عاطلاً عن العمل، ولكنه موجود”.
لاشك أنها البشاعة التي واجهها، بكلّ ما لديه من أدواتٍ رسم بها “الوحش الذي هو إنسان، معتمداً الشكل الحيواني البشع الذي يثير الرثاء لقسوته وغبائه”.
نعم الغباء، بل الأمية الأخلاقية التي اعتبرها، مأساة الكون وسبب اختلال توازن العالم الإنساني الذي “تتفاقم كوارثه ومذابحه المنتشرة هنا وهناك، ويقف وراءها رجال لايملكون الذكاء إطلاقاً. ذلك أن لا ذكاء في القتل”.
حتماً، هو ما دفعه للبحث عن الجمال والنقاء والأصالة والشفافية، وفي ذاكرة طفولته وأرضه وترابه وإنسانه وعشقه وحضارته السورية.. الحضارة التي أبى ورغم انطلاقته في العالم وآفاق فنونه، إلا أن يعود إليها متجاوزاً كل لحظات المعاناة التي عاشها وشهدها، فأخضعها بأنامل الفن التي وكأنها عيونه.
هي فعلاً عيونه.. عيون فنان، رغم أنه درس التصوير الضوئي والزيتي في كلية الفنون الجميلة في روما، وتعرف على الاتجاهات السريالية، ورغم متابعته للدراسة في باريس، وحصوله على شهادة الدكتوراه في العلوم الفنية. رغم ذلك، لم يمنعه ما شهده من تشكيلات الحداثة وألوانها، من العودة إلى وجوه الطفولة في ريفها وعلى أرضها.. الوجوه التي جسدها في أعمالٍ نشر عطر شرقيتها في كلّ الفضاءات، إلى أن بات من أوائل الفنانين التشكيليين الذين تركوا أبدع وأبرع التعابير والبصمات.
إنها تعابير الإنسان الذي كان سريع القدرة على ترجمة همومها وهواجسـها وانفعالاتها، وعبر لوحات جعلها تتدفق بالصور والرؤى التي تروي ماتتلمسه من المواقف الإنسانية المتماهية مع الحياة وطبيعتها.
باختصار.. هو مدرسة فنية كاملة في اكتمال إبداعها. الفنان الرائد في فن اكتشاف الوجوه وتشكيلها، وفي فن كتابة الشعر مثلما قصص الحياة ووجوهها. أيضاً، السوري الإنساني، وقد دلّ على ذلك مفتخراً بانتمائه وبشعوره الجمالي:
“أنا عربي سوري أعيش على جانب من أرض هذا الكوكب، لي تاريخي ولي حسّي الجمالي بهذا التاريخ، كما أنني في أعماق شعوري، أدرك واجب احترام هذا التسلسل الجمالي ونموه”..
هفاف ميهوب