لا تحتاج العودة إلى أرشيف عشته في زمن مضى بالأبيض والأسود، يكفي أن تستدعي تلك الأوقات وتقارن…
وما بين زمنين، انفلت منك زمن كلما قلبت صوره، تدرك كم استعجل الرحيل، لا تسعدك ذكرياتك المحفورة على تلك الصور، بل وفي وقتنا الراهن، تخلق في روحك غصة لا تفارقك قبل مضي وقت طويل…
قبل بضعة أيام تناثرت صور الأبيض والأسود، على مواقع التواصل احتفاء باليوم العالمي للتصوير أحادي اللون (١٢- كانون الأول)، بعضها ذكريات لشخصيات غادرتنا فهل تشفع كلّ صور عالم الثابتة والمتحركة أن تغني عن لمسة متحركة لكيان بشري غاب عنا…
لكن تلك الصور حين تأخذها إلى نواح أخرى… بعيداً عن الحنين، حين نذهب إليها كحالة توثيقية، أو معطى تاريخي، يختلف الأمر و يكون لها مفعول سحري، يختصر كلّ ما تحاول قوله صفحات كثيرة…
من تلك اللحظات الخاصة ، وصولاً إلى لحظات جماعية، انتقالاً إلى عمومية الحالة وشموليتها، لا يمكننا أن نحجم احتفاءنا بالصورة بلونها الأحادي ، ونحن نعيش اليوم انتعاشا لا يضاهى تتحرك معه الصور وتتلون، هي لا تأسر خيالاتنا فقط، إنما تربك حياتنا…
ما سبب هذا الإرباك…؟
أصبح للصورة فلسفتها وعوالمها بعد التطور التكنولوجي، ولم تقدّم فروض الطاعة لأي نوع، بل على العكس كلّ الفنون قادتهم إلى تلك الصور المتحركة، الملوّنة…المتداخلة الأهداف، وأصبحت وسيلة قوية لكلّ من يمتلكها وبإمكانه أن يبثها لأوسع شريحة..
من زمن اللون الأحادي، إلى زمن الألوان اللانهائية…
ومن الصورة الثابتة… إلى تلك التي تمتلك حركات لانهائية…
اختلف العصر… وحتى البشر…
ولم يعد بإمكاننا أن نعيش مع شاشات بلون أحادي ثابت مهما كانت مبهرة، فالعالم من حولنا يتلوّن، ويصدر صوراً لانهائية…ملاحقتنا لها وإعجابنا لها لا يكفي…لابدّ لنا من صور جماعية تظهر كيف نفضنا الركام، في الأزمات التي حاولت النيل من وجودنا… سيأتي بعد زمن جيل يدرك أن فرادة تلك الصور من تلك الذرات التي أعدنا عبرها تدوير رماد حروبنا، وهو يكاد يتلمس أوقاتاً لن يكررها!
رؤية – سعاد زاهر