وسط هذا العالم المضطرب، المليء بالفوضى والحروب بفعل السياسات الأميركية المزعزعة للأمن والاستقرار الدوليين، يزداد الاهتمام الدولي لمعرفة هوية ساكن البيت الأبيض الجديد وانتمائه الحزبي، “جمهورياً كان أم ديمقراطياً”، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لمسافة نحو أسبوعين، لما تشكله هذه الانتخابات في العادة من تأثير على القضايا والأحداث الدولية، ولكنها في المجمل لا تحدث أي تحولات جذرية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فكل إدارة جديدة تستكمل ما بدأته سابقتها، السياسة الداخلية فقط قد يطرأ عليها بعض التعديلات، وغالباً ما تكون من باب “النكاية السياسية” بين الحزبين الحاكمين بالتناوب لا أكثر ولا أقل، أما جوهر السياسة الخارجية المرتكز على نهج الغطرسة والبلطجة الدولية، فهو ثابت لا يتغير.
ما يعزز هذه الحقيقة، أن النظام السياسي الأميركي هو في الواقع نظام عصابات وقطاع طرق، لا يديره رئيس دولة، وإنما مدير تنفيذي يمثل شركات السلاح والنفط والبنوك وغيرها، ومهمة هذا الرئيس أو ذاك تنفيذ الخطط والمشاريع الجاهزة والمعدة لتكريس حالة الهيمنة والتفرد على الساحة العالمية، ولا نعتقد أن أياً من مرشحي الحزبين “الجمهوري أو الديمقراطي” سيشذ عن هذه القاعدة، لأنه مكبل بالكثير من القوانين الدستورية التي تمنعه من ذلك، وما يثار بين الفينة والأخرى من بعض الخلافات والانقسامات المزعومة بين هذين الحزبين بشأن بعض الملفات الخارجية لا تعدو عن كونها مجرد مسرحيات هزلية لإيهام العالم بوجود مساحة كبيرة من “الديمقراطية والحرية” اللتين تتذرع بهما واشنطن لشن حروبها وغزواتها ضد الدول المستهدفة بأطماعها.
من الواضح تماما أن كل ما من شأنه تقويض الأمن الاستراتيجي العالمي، هو محل توافق مطلق بين “الجهوريين والديمقراطيين”، دعم الإرهاب على سبيل المثال هو نهج ثابت لكل الإدارات الأميركية المتعاقبة، وما يجري في سورية نموذج صارخ على ذلك، إدارة أوباما ” الديمقراطي” صدرت مئات آلاف الإرهابيين، وإدارة ترامب “الجمهوري” قدمت لهم ولم تزل كل لوازم الحماية والرعاية، وكلا الإدارتين استخدمتا الأدوات ذاتها لمحاولة استهداف الدولة السورية وشعبها، وكلتاهما وظفتا كل إمكانياتهما وعملائهما لاستهداف محور المقاومة ومحاولة إضعافه وحصاره، والأهم من ذلك أن كل الرؤساء الأميركيين وإداراتهم قدموا شتى أنواع الدعم للكيان الصهيوني، وسعوا لفرض هذا الكيان كذراع إرهابي متقدم في المنطقة، ولم يسبق أيضا لإدارة أميركية أن احترمت القوانين الدولية، أو أقامت وزناً لاعتبارات القيم الإنسانية.
مناصبة العداء للشعوب المناهضة للسياسة الأميركية، نهج مشترك دأبت عليه كل إدارات البيت الأبيض، انطلاقاً من النزعة الإجرامية ذاتها التي تتحكم بعقول كل الرؤساء والمسؤولين الأميركيين، فكلهم، “جمهوريون” كانوا أم “ديمقراطيون” يسترشدون بقوانين شريعة الغاب، ويعتمدون على فائض القوة الغاشمة التي تمتلكها بلادهم لشن كل أنواع الحروب العسكرية والاقتصادية والسياسية لمحاولة إركاع تلك الشعوب وإخضاعها لإرادتهم ومشيئتهم، وهذه السياسة المتغطرسة لا يمكن أن تتوقف في عهد ترامب أو منافسه بايدين، فكلاهما يمثلان رمز العنصرية والإجرام والإرهاب الأميركي.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر