الثورة- حسين صقر:
حدود الأرض والأوطان والدول، و المنزل و العلاقات والعمل، والحب والكراهية والصداقة والأخوة، والتمادي والعطاء والتضحية والوقت، فلكل من هذه الكلمات حدود ولمعانيها حدود ولسلوكها أيضاً..
فما دامت الحدود معروفة ومرسّمة وواضحة ومحددة، يعرف كل منّا ما له وما عليه، و حيّا الله امرئ عرف حدّه فوقف عنده، والحدود بين الناس مقدسة ..
فلو عرف الصديق حدود الصداقة ورب العمل والعامل والابن والمرأة والرجل والجار والأخ… والقائمة تطول، لو عرف كل من هؤلاء حدوده لعرف كل شخص حقوقه وواجباته..
وفرد الحب والاحترام جناحيه محلّقاً في فضاء السعادة..
فالبشر بشكل عام يحرصون كل الحرص على تكوين العلاقات الاجتماعية الناجحة المبنية على الحب و الاحترام، والثّقة والتعاون و تقديم التّنازلات، وخفض الجناح، والصبر لتستمر سفينة الحب في الإبحار نحو شاطئ الأمان والسلامة برياح طيبة.
فعاليات مختلفة عبرت عن مسافة الأمان والحدود بين الناس كل على طريقته، وقالت سهير حسن معلمة مدرسة: مسافة الأمان بين أفراد المجتمع، مثلها مثل المسافة التي تمنع مركبتين من التصادم أثناء سيرهما على الطريق، وبالتالي إن الحدود التي تفصل بين الناس تشبهها التي تمنع اصطدامنا بمن حولنا أثناء سيرنا في الحياة.
وأضافت قد يراها البعض ضرورة تحافظ على الروابط مهما كانت خصوصيتها، وتقويها في وجه المشاكل وتغيرات الزمن، بينما يرى آخرون أن الخطوط الحمراء والمساحة الخاصة ضرورة، في حين أن هناك من يتصورونها حواجز وقيوداً تمنع تواصلهم مع المحيطين بهم خصوصاً المقربين من الأزواج والأخوة والأصدقاء والأقارب.
بدوره رأى الطبيب سمير صالح يجب أن تتشكل الحدود والحواجز عبر الوعي منذ بداية تأسيس العلاقة، ليعرف كل شخص من الطرفين ماله وماعليه، وهذا ما ينطبق على علاقة الأم بطفلها، والزوج بزوجته، والأخوة والأقارب والأصدقاء.
وأضاف من الضروري أن ترسم هذه الحدود بحب وتقدير للطرف الآخر، وأن يكون الهدف منها لصالح العلاقة وحفظ خصوصية واحترام الآخرين لا للابتعاد والحساسية والشعور بالانطواء.
من ناحيتها عبرت المحامية نهاد شبلي التي تتميز ببساطتها مع المحيط حسب تعبيرها، بأنها رغم ذلك إلا أنها تضبط إيقاع علاقاتها بوضعها خطوطاً حمراء في معاملاتها، تحفظ لها خصوصيتها كما تحافظ على علاقاتها، موضحة رغم عفويتي في تعاملي، لكنني أحرص على ألا أتجاوز حدودي في التعامل مع غيري، ولا أسمح لأحد أياً كانت علاقته بي أن يتعدى على خصوصياتي، أو يعاملني بأسلوب خاطئ يقلل من احترامي، وهذا ينطبق على علاقتي بأقرب الناس إلي مثل أهلي وصديقاتي.
وقال سعد الحسين صاحب مهنة حرة: يصر بعض الأصدقاء على معرفة تفاصيل حياتي، وفي كل مرة أنبههم بطريقة غير مباشرة كي يرتدون عن ذلك، إلا أن الفضول الذي يمتلكونه يمنعهم من ذلك، وبالتالي يواصلون أسئلتهم وأنا أمتنع وأسايرهم بعض المرات، وأوضح أن كثرة اللقاءات بهؤلاء تخلق مشكلات، ولهذا لابد من وضع حدود وحواجز وبرامج زمنية للقاءات معهم كي لايحدث الاصطدام.
ويضيف: للأسف هناك من يسعون إلى إزالة الحدود في علاقاتهم، معتقدين أن ذلك دليلا على متانة العلاقة، ولكنني أرفض هذا.
ويوضح المهندس محمد عدوان
بأن الانفلات بالعلاقة ليس مشكلة لديه، وهو لايفضل وضع حدود بينه وبين أقاربه وأصدقائه، لأنه يرى في هذه الحدود حواجز تجعل علاقته بهم رسمية ومؤطرة، ويفسر ذلك بقوله: أنا بطبيعتي إنسان عفوي، وأحب التعامل مع غيري بتلقائية، وهذا ما يميزني بين المحيطين بي، ولم أواجه مشكلة بسبب تلقائيتي هذه أو تبسطي مع الآخرين، أما الذين يصرون على وضع حدود في علاقاتهم معي، فإنني أحترم رغبتهم، و تصبح علاقتي بهم رسمية، ولا أحاول التواصل معهم إلا في إطار الواجبات والمناسبات.
حياة محمود ربة منزل قالت: أواجه مشكلة في التعامل مع الشخصيات التي لا تضع حدوداً في علاقتها بها، لأنها تؤمن بوجود هذه الحدود بينهم وهي عامل مهم في تطوير العلاقات.
الأهل والأصدقاء.
وتوضح: لا أمانع في تبسيط العلاقات وإزالة بعض الخطوط لكن يجب ألا أتعداها مع بعض الناس، كزملاء العمل والمعارف والجيران، ولكني لا أتصور أن تكون علاقتي بأخي أو أختي رسمية، وألا أستطيع أن أتحدث معهما في أي أمر يخصني أو يخصهما، أو أفكر كثيراً في انتقاء عباراتي معهما، وبالمثل صديقاتي والمقربين إلي، وإن كان ذلك قد سبب لي بعض المشاكل مع شخصيات مقربة مني.
وفي هذا السياق تؤكد المرشدة الاجتماعية حنان من المعلوم أن الحياة عبارة عن شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية، بدءاً من العلاقة داخل الأسرة بما فيها الزوجة والأولاد، ومروراً بالعلاقة مع الأقارب والجيران، ووصولًا إلى العلاقة مع أصدقاء الدراسة وزملاء العمل، فهي جسر للتعايش بين الناس، ووسيلةٌ للتعرف على الآخرين، وسببٌ للتواصل الفعّال معهم.
واشارت بأن الدراسات أثبتت أنّ العلاقات الاجتماعية الناجحة والإيجابية سببٌ للسعادة، والصحة النفسية، وتكوين الشخصية المتزنة، وإشباع حاجة الإنسان في التعرف على الآخرين، بينما العلاقات المتوترة القائمة على الشكّ والارتياب وسوء الظنّ والاستعلاء سببٌ للشقاء والتعثّر، والقلق والاضطراب.
ونوهت نحن كمجتمعات يجب أن نرتقي في سلوكياتنا وتعاملاتنا، ونضع حدوداً في علاقاتنا بمحيطنا القريب والبعيد، بحب واحترام، لتساعدنا في تحقيق هدفنا بالارتقاء بأنفسنا وعلاقاتنا، لكن في الوقت نفسه لا يجب أن تكون هذه الحدود حواجز تقف أمام علاقات الناس بالمقربين منهم، كما قد يعتقد البعض، بسبب فهمهم الخاطئ لمعنى العفوية والتلقائية في التعامل، إذ إن هناك فرقاً كبيراً بين العفوية والعشوائية، فالأولى لا تسمح للإنسان بالتعدي على حدود الآخرين، أما الثانية فهي فوضى تظهر في المعاملات وتبرر بها الانفعالات غير المحسوبة.
و يؤكد المختصون أن المسافة بين الناس أشبه بميزان صحي، يحفظ خصوصياتهم و يدعم الاحترام المتبادل بينهم، شرط أن يتم التعامل معه بوعي وذكاء.