لعل أكثر ما يضني الناس معيشياً الآن ، الازدحام وما ينجم عنه من سعر أسود ، يغري بتوفير الزمن المستنزف بحدة، وتعب الانتظار الطويل ، لكن هذا السعر تفاقم الى حد لم يعد يُطاق إذ تجاوز كل حسابات الربح اللامعقول، والاخلاق والضمير والعيش المشترك، ما جعل المضطر يشعر ، انه يتعامل مع لصوص وليس مع أخوة له في الوطن الواحد .
تاريخياً، كان السعر الأسود يظهر ، بين وقت وآخر، عندما يقل عرض مادة ما عن الطلب الشديد عليها، لكنه ظل لعقود طويلة بعيداً عن المواد الأساسية المدعومة حكومياً، ثم راح يعلن عن نفسه في سياق الحرب الجائرة التي شنها اشرار العالم على سورية .
لكن أمره تفاقم في الآونة الاخيرة، فإذا بالسوق السوداء تطرح بيدون المازوت بـ ٣٧ الف ليرة أي أكثر من السعر الحكومي لمئتي ليتر.
هل يحتمل العقل ان يكون سعر ٢٠ ليتراً بسعر مئتي ليتر ومصدر المادة الدولة ذاتها، وهي عندما تبيع الليتر بـ١٨٠ليرة تخسر ٨٢٠ ليرة لأن تكلفة ليتر المازوت عليها ١٠٠٠ ليرة سورية، فمن حصل على المازوت بطرق ملتوية وباعه بالسعر الأسود ارتكب عدة جرائم دفعة واحدة، صحية واقتصادية وسياسية وطنية.
وقد يكون الحل المقلص للازمة هو ما أعلن عنه مجلس الوزراء -أمس – من زيادة مخصصات مازوت التدفئة من ٢٦ بالمئة إلى ٣٥ بالمئة لكل المحافظات لإيصال المازوت لأكبر عدد من العائلات السورية .
المثال الاخر المؤلم الازدحام الشديد على محطات توزيع البنزين بالسعر المدعوم، انتظار ٤ ساعات على الأقل او الشراء بالسعر الأسود، وتم مؤخرا زيادة الكميات ليبدأ الازدحام – الهائل – بالتراجع، نسبيا.
اما الافظع، فهو الازدحام على الخبز، وقد تفاقم فجأة منذ أسبوعين، فإذا بالرابطة ذات المئة ليرة بالسعر الحكومي، تباع بـ٦٠٠ أو ٧٥٠ ووصلت أمس وسط ازدحام شديد على فرن الخبز الموحد في المزة الشيخ سعد بدمشق إلى ألف ليرة سورية..
إن العلاج الاقتصادي عبر توفير كميات تلبي الطلب مفيد جداً ولكنه غير متاح دائماً، فهل نترك حفنة من أعداء اقتصادنا وحياتنا المعيشية، يسرقون الناس علنا ويتسببون في مفاقمة الازدحام ويورطون شريحة من العاملين في عمل جرمي يُعاقَب عليه بالحبس ٦ أشهر وغرامة مليون ليرة.
واضح ان الاعباء كبيرة وان الضغوط كثيرة ، وهذا يتطلب الإقبال على مساعدة الدولة ، لا الوقوف موقف المتفرج والشامت احيانا . ثمة أساليب معروفة تحقق الانضباط المطلق ، وهذا ما نحتاج اليه الان في محطات الوقود وفِي الافران ، ضابطة حازمة ترفض الخطأ، ومعايير توزيع لاتستثني احدا، مع إمكانية تخصيص محطة للإستثناءات (الكبرى والمبررة)، ونافذة لبيع الخبز بسعر غير مدعوم للمصرين على البيع بالسعر الأسود ، وقد تكون داخل الفرن، والترخيص لهم لبيع الخبز أسوة بكثير من المواد الاساسية التي تباع في البقاليات، فالمضطر يشتري منهم، دون ان تخسر الدولة ٥٠٠ ليرة في الربطة لصالحهم، واعتقد انهم سيتلاشون خلال ايّام، لان ابتعادهم عن كوى بيع الخبز سينهي الازدحام.
لكن هذه الحلول الإجرائية لن تنجح اذا -استمر الحبل على الغارب- ، انها تحتاج الى حزم وصرامة، ولدى الدولة، عندما تريد قوى قادرة على الاضطلاع بهذا الدور بنزاهة، ويجب ان تريد فلقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.
لاسيما ان هناك من يصطاد في هذا الماء العكر، يشتم ويسخر ويستخف، متجاهلاً الظروف الصعبة جدا التي نجمت عن حرب ضروس لعشر سنوات، موحيا ان سر الوجع ذاتي وليس موضوعيا، دون ان يكلف نفسه عناء وصف الدواء .
الدواء اقتصادي وإجرائي وانضباطي، وهنا نذكر أن آخر العلاج الكي.
أروقة محلية- ميشيل خياط