بخلاف ما يوحي به العنوان لن أتوقف عند أثر الفيسبوك وسواه من مواقع التواصل الاجتماعي على سلوكنا الفردي والجماعي و على أفكارنا ونمو إمكانيات التحكم بها، وتغيير مرجعياتها الثقافية، وآليات هذا التحكم، فقد نُشرت كثير من الآراء حول هذه الأمور – ولا تزال – ونُشرت كثير من الدراسات والأبحاث – ولا تزال – وفي كل الأحوال فإن مواقع التواصل الاجتماعي صارت جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، سواء أعجبنا الأمر أم لا.
حين كنا طلاباً في المدرسة الابتدائية سأل أحدنا أستاذاً نحمل له تقديراً خاصاً عن رأيه بالسينما، فأجاب بالنسبة لي السينما مثل المسرح ومثل التلفزيون، وحتى مثل الكتب والصحف والمجلات، الرأي لا يتعلق بها كأدوات، وإنما بما تقدمه، فهل يمكن أن ينسحب ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي؟.
أعتقد أن النظر إلى المشهد العام لمواقع التواصل الاجتماعي عندنا – و الفيسبوك خاصة – يرجح الموقف السلبي منها، إذ تسود حالة القطيع بعد كل (بوست) جديد فإن كان ناشر الـ(بوست) يمتدح أمراً ما تبعه في رأيه معظم المعلقين، والعكس بالعكس، ويحصل كثيراً أن ترى قسماً غير صغير من جمهور العالم الافتراضي يؤيدون الفكرة ونقيضها في الوقت ذاته، وغير مرة شاهدنا موجة عاتية حول أمر أو شخص ما، ما لبث أن تحولت إلى مخابئ النسيان بعد وقت قصير من إطلاقها، لكن ليس دون أن تترك أثراً بذاته، أو تكرّس فكرة ما، لن أتحدث – أيضاً – عمن يقوم بتوجيه الرأي العام، ولا عن الوسائل التي يتبعها، واللغة التي يستخدمها، بحيث يتم تشويه كل نصٍ ثقافي بسيل من التعليقات الرديئة التي تحرفه عن غايته المعرفية، ولكن أسأل، بعيداً عن الأمل المستحيل بالحد من عيوب هذه المواقع وآثارها الضارة، هل يمكن الإفادة من مواقع التواصل الاجتماعي بغير التسلية وأحاديث المقاهي؟.
كثيرون لديهم تجاربهم، وأجوبتهم، على السؤال السابق، إذ يزخر الفيسبوك بالصفحات التي تنشر المعرفة، والتي تقدم المعلومة، والتي تفتح الحوارات الجادة التي تليق بالثقافة والفكر، وأذكر هنا أنه قبل نحو سنتين ونصف وإثر نشر نصٍ حول نصُب ساحة الأمويين، أو ما يعرف بـ (السيف الدمشقي) عقّب عدة متابعين على ما جاء فيه، كما هي العادة عندما يتعلق الأمر بإعادة النظر في معلومة مُسلمٍ بها، وقد حوّل المستوى الراقي للتعليقات الحال إلى ما يشبه الندوة الحوارية، أو ورشة عمل بحثية شاركت فيها أسماء مرموقة في مجال الثقافة والعمارة والفن التشكيلي، أمثال: السيد نبيل الحموي، والمهندس العريق وليد الشهابي، والسينوغراف المخضرم علي الحامض، ومهندسا الديكور د. سمير أبو زينة، وعبده أبو حمزة والفنانون التشكيليون: د. عبد الله أسعد، رولا بريجاوي، وتيسير الطلب. وكانت النتيجة أن تم تصحيح وتوثيق الكثير من المعلومات الخاصة بهذا النصب الذي صار جزءاً أساسياً من هوية دمشق.
مثل هذا الأمر تكرر الأسبوع الماضي إثر برنامج الزميل عدنان بكرو عن مجلة الإذاعة، التي عُرفت بداية بهذا الاسم، فقد حظيت الزاوية التي نشرت عنه بتعليقات غنية، واستعادت ذكريات كتاب نشروا فيها، منهم: الإعلامية والأديبة نهلة السوسو، و الناقد المسرحي جوان جان، والفنان والناقد التشكيلي محمود مكي، والإعلامي معن عماطوري، والفنان التشكيلي تيسير طلب الذي استذكر أيضاً لقاءاته في المجلة بالمرحومين الكبيرين الشاعر الفنان حسين حمزة، والشاعر الغنائي مصطفى الحاج، وأوضح الفنان والخطاط جمال بوستان أنه من قام بكتابة لوغو ( هنا دمشق ) الذي ظهر في الصورة. واستذكر الأستاذ رجب حمادي عمله مع المجلة حين كان مديراً لمطابع الشبيبة التي طُبعت فيها، فيما أثار الفنان القدير أسامة الروماني السؤال عن مجلة عمل بها مخرجاً مطلع السبعينات وحملت اسم (فنون) قبل أن تحمله مجلة الإذاعة والتلفزيون، سمعت عنها من الراحلين عبد الغني العطري وصميم الشريف وياسر المالح، أسعد الله أرواحهم جميعاً.
الأديب والباحث والخطاط أحمد المفتي أضاف أن مجلة الإذاعة السورية كانت وفي كل عدد تنتقي قصيدة شعرية جديدة لشاعر سوري وتطلب من خطاط بلاد الشام الأستاذ بدوي الديراني ليخطها بقلم التعليق الشاميّ الجميل وتفرد صفحة للتعريف بالقصيدة والشاعر، وقد حوت مجلة الإذاعة السورية أجمل ما خطه الأستاذ بدوي، “ويضم أرشيفي أعداد المجلة منذ صدورها وفيها من التراث والخبر والاستطلاع والتاريخ، تاريخ الأمة، كانت تحوي متعة البصر والبصيرة، وقد جمعت القصائد بخط خطاط بلاد الشام من المجلة لأصدرها في كتاب بعد تعليق وشرح ودراسة”.
ننتظر كتاب الأستاذ أحمد بشوق.. ونأمل في الوقت ذاته أن تستطيع الصفحات الراقية الحفاظ على رقيها، لا بالارتقاء بمستوى الحوار فحسب، وإنما – وقبل ذلك – بالعمل على ألا يتواجد فيها من يسيء إليها.
إضاءات- سعد القاسم